الأربعاء، 1 فبراير 2017

ثرثرة في صبيحة يوم مشمس


ثرثرة في صبيحة يوم مشمس
لطالما أطلقت زميلات سعاد عليها في السكن الجامعي لقب "عثة كتب" خلال الدراسة، كانت الزميلات بعد إنهاء الواجبات الدراسية يعمدن إلى اللعب، والترفيه، والنوم.. أما هي فكانت تعتكف بين كتبها، تقرئها بنهم، وكأنها أمام طاولة تعج بأصناف الطعام اللذيذة.
تقول لها أختها التي تصغرها ألاء: أليس مشاهدة أفلام أو مسلسلات تحمل موضوع الكتاب، سيفي بالغرض ذاته؟ فلماذا تتعبين عينيك في القراءة؟.
وتجيبها في كل مرة تطرح السؤال نفسه بصيغ مختلفة: لا شيء يعدل الغوص في كتاب يا حبيبتي، ولا يوجد متعه تشبه متعة القراءة..
تجلس والدتهما على شرفة البيت برفقة الجارة أم سالم كما في صبيحة معظم الأيام المشمسة يحتسين القهوة، بينما تنظف أم محمود حبوب السمسم أو العدس أو غيرها، أو تحفر ثمار الكوسا، أو تزيل أوراق الزعتر الأخضر عن أغصانها... الخ. قالت أم سالم وبدا أن هناك موضوع يشغل بالها: أريد يا أم محمود أن أتحدث إليك في موضوع..
-خير إن شاء الله؟
-ابنتك سعاد..
-ماذا بها؟
-أرغب بتزويجها لابني سالم..
-والله يا أم سالم أن والدها لا ينوي الآن تزويجها، وأنت تعلمين أنها فتاة تحب العلم والدراسة كثيراً.. ووالدها يحلم بأن يراها طبيبة نسائية.
-وماذا سيستفيد من وراء تدريسها؟ وغداً سيأتي ابن الحلال ويأخذها "ببلاش"، وستضع حينها كل ما تكسبه في كيسه.
-وهل يريد والدها منها شيئاً؟ هو لا يريد لها إلا السعادة والوفاق.
-لا تنسي يا أم محمود أن فرصة البنت في الزواج تضيع إذا استمرت ترفض من يتقدم لخطبتها.
-كل شيء قسمة ونصيب، والزواج رزق، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَوْ أَنَّ ابْنَ آدَمَ فَرَّ مِنْ رِزْقِهِ كَمَا يَفِرُّ مِنَ المَوْتِ، لأَدْرَكَهُ رِزْقُهُ كما يُدْرِكُهُ المَوْتُ".
-صدق رسول الله.. لكن يا أم محمود أنا خائفة أن تضع البنت عينها على شاب من شباب الجامعة، وتشب عن طوقكم، وتجلب لكم الفضيحة.
-فال الله ولا فالك يا امرأة، أنا أعرف كيف ربيت ابنتي، وقد ربيتها على الدين والأخلاق، فكيف تقولين ذلك؟
-أعرف يا أم محمود، أرجو أن لا تزعلي مني، فقط كنت ألفت انتباهك لما يحدث مع الفتيات في الجامعة، محذرة.
أما محمد، الابن الأصغر لأم محمود فقد قال لصديقه منذر: ما رأيك أن نذهب غداً بعد انتهاء دوام المدرسة إلى الحاجز العسكري، نضرب اليهود بالحجارة؟
-جيد جداً، بل رائع، ولكن أين نذهب بحقائبنا حتى ننهي مهمتنا؟
-لا تقلق، سنخفيها بين الأشجار القريبة من المدرسة، ونأخذها بعد انتهائنا.
-رأي صائب..
أقبل سالم الأخ الأكبر لمنذر، ناداه قائلاً: هيا عد للبيت بسرعة، فمنال تريدك أن تشتري لها بعض الأغراض.
-أوووف.. ألا يوجد أحد في البيت سوايَّ يستطيع الذهاب للتسوق؟
-ما قصدك بالضبط؟ ألا تريد الذهاب؟
-لا شيء أبداً.. من قال بأنني لن أذهب؟.
-إذن، هيا بسرعة..
مال منذر على صديقه محمد وهمس في أذنه: أترى.. دائماً هم هكذا.. فقط يريدونني أن ألبي احتياجاتهم، أما احتياجاتي أنا، فلا أحد يعبأ بها.. أمي دائماً عند الجيران، ومنال في المطبخ، وأبي في العمل، وسالم إما في العمل وإما مع أصدقائه أو غارق في عالم آخر برفقة الموبايل.
-كان الله في عونك يا صديقي، سآتي معك لشراء ما تحتاج أسرتك..
عاد أبو محمود للبيت يبدو التعب في وجهه، فاستغربت أم محمود الوضع قائلة: خير إن شاء الله.. ما الذي أعاد للبيت في هذه الساعة؟
-لا أدري، ولكني أشعر بأنه لا طاقة لدي للعمل، يبدو أن حرارتي مرتفعة.
بسم الله، سلامتك يا رجل..
نادت بأعلى صوتها: سعاد.. اتصلي بمحمود ليأخذ أباك للطبيب..
-ليس هناك ضرورة للطبيب، يكفيني أن آخذ خافض للحرارة، وأنام قليلاً، وسأصبح على ما يرام.
-أبداً.. لن يكون ذلك.. بل ستذهب، فأنا أريد الاطمئنان عليك..
-طبعاً دائماً القول قولكن، والحكم هو ما ترين أيتها النساء.. أمري لله..
-وأخذ يقول في نفسه: أقسم أن جميع الرجال محكومين لنسائهم، يطالبون بحرية المرأة. والله نحن الرجال من يحتاج لمن يقف معنا، ويطالب بحقوقنا وحريتنا..
- أين شردت عني يا رجل.
-أبداً، أنا معك، وهل أستطيع أن أشرد إلى مكان آخر بعيداً عنك، سوى للقبر؟؟؟؟
#دكتورة_زهرة_خدرج