الأحد، 26 يناير 2020

من يشاركني البحث عن طفولة؟؟




من يشاركني البحث عن طفولة؟؟
في بلدي يصرخ الأطفال رعباً.. وتراهم يركضون هلعاً
الكوابيس تلاحقهم.. ليست كوابيس الليل، بل أشباح تظهر في وضح النهار
تعادي الحياة.. تعادي الضحكات.. تعادي الفرح البريء في العيون
في بلدي.. بلد الطفولة المسلوبة، والفرح الطريد.. يشتاق طفل إلى والد غادر الدنيا شهيد
وترنو طفلة  لأن تلهو بحرية مثل كل أطفال العالم
بلا سياج يمنعها أو طلقة غادرة تتربص بها.. تسلبها جزء من جسدها أو حتى حياتها
في بدي يشتهي الصغار أن يكونوا أطفالاً بلا حواجز بلا حصار بلا قسوة
#دكتورة_زهرة_خدرج

الخميس، 18 أبريل 2019

أنا من اخترت منفاي بإرادتي


أنا من اخترت منفاي بإرادتي
نتيجة بحث الصور عن منفى اختياري

أنا مشتاق لك أماه.. وأتمنى لقاؤك، والارتماء في حضنك، وتقبيل يديك وقدميك. فأعذريني أماه لأني اخترت منفاي طواعية، فالناس عادةً تُنتزع من أوطانها مكرهة، أما أنا فقد لملمت شتاتي ورحلت عنه بإرادتي بعد أن جفاني، وكره بقائي على ثراه، ولأني أحبه كما أحبك يا أمي كرهت أن أبقى رغماً عنه، وفضَّلت أن أحتفظ له في قلبي بمكانة رفيعة؛ لذا آثرت الرحيل.
في المنفى يا أمي، بالرغم من البرد القارس الذي يخترق اللحم ويفتَّ العظم ويعضَّ الأنامل ويطبق على الصدر، إلا أنني وللمرة الأولى في حياتي أشعر بأنني كائن يستحق الاحترام والوجود، فقط لأنني بشر، وهو ما لم أشعر به في وطني الحبيب قط.. هنا وجدت من يقتسم طعامه معي بالرغم من أنه لا يعرفني، ويتحدث بلسان غير لساني، ويعتقد بدين غير ديني، وله لون غير لوني.. لم يتحيز ضدي، بل تقبلني ما فيَّ من اختلافات، وتذكر فقط بأن الإنسانية جمعتنا، ولذا عليه أن يعاملني كإنسان.
وآه للإنسان في بلادي يا أمي.. أأتحدث عن الحصار الفكري أو المكاني الذي ما فتئت أشعر به يطاردني؟ أم أتحدث عن قمع المبادئ والآراء المغايرة الذي أجده ما زال يطبق قبضته على أنفاسي، والتي لا يفلت منها إلا المطبِّلون والمزمِّرون؟ أشخاص تكتظ بهم مؤسساتنا الرسمية وغير الرسمية وشوارعنا ومدننا وقرانا ومخيماتنا، وظيفتهم فقط إظهار الزعيم وكأنه الشخص المقدس الذي تعلو مرتبته عن مرتبة البشر، صاحب الزخم الشعبي الذي يطالب الجميع ببقائه ويدعون له آناء الليل وأطراف النهار بطول العمر والبقاء. فإن ذهب الزعيم لا قدَّر الله، فقد تزول البلاد خلفه.
في بلاد اللون الواحد، وبلاد الطيف السياسي الواحد، والفكر الواحد، والاعتقاد الواحد، وحكم الفرد الواحد، كل شيء فريد من نوعه، وصحيح بشكل مطلق لا يقبل أي نوع من التأويل.. والويل والثبور، وعظائم الأمور لمن تسول له نفسه أن يُظهر اختلافه أو يعلن عنه بأي أسلوب كان.
أشفق يا أمي على الإنسان العربي في بلادي، فالفقر لا  يتخلى عنه كما ظله، والشعور بالدونية لا تمل رفقته.. إن حلَّ الوبال بالبلاد، فليجوع الناس، وليحتملوا آلام الأمراض، وليموتوا من أجل الوطن، لا ضير في ذلك، فإن لم يكونوا هم، فمن سيكون يا تُرى؟ ألا يستحق الوطن تضحياتهم وصبرهم وجوعهم وحتى أرواحهم؟ ولو سولت لأحدهم نفسه الأمَّارة بالسوء أن يتساءل عن التنازلات التي يقدمها أصحاب الفخامة والسمو، تقوم الدنيا ولا تقعد، فهؤلاء استثناء، لا تطالهم القواعد التي تسري على كافة شرائح المجتمع، فلكل شريحة من الناس قوانينها الخاصة التي تحكمها.
حِذار أن تسأل وزيراً مثلاً، من أين لك هذه السيارات الحديثة وهذه البيوت العصرية الضخمة وهذا الأثاث الفاخر، لا تسأله كيف تذهب للعلاج في الدول الأجنبية، ولا كيف تتسوق زوجتك في أرقى الأسواق والمولات العالمية، ولا كيف يدرس أبناءك في أعرق الجامعات والمعاهد الأجنبية.. فعالية القوم وأسرهم استثناء في كل شيء، فإن لم يعش هؤلاء بهذه البذخ المريح الذي يحافظ على أعصابهم وصحتهم ومكانتهم، سيتضرر الوطن.. نعم سيتضرر! وستختل مصالحه، وقد ينهار على ساكنيه.. فالحذر الحذر من تقويض الوطن بوسوسات شيطانية هي تضر ولا تنفع.
كنت أقول يا أمي فيما مضى بأني سأهب للوطن طاقاتي وعلمي وقدرتي، وسأبنيه وأرفع ذكره للأعلى.. ولكن اعذريني يا أمي، تمتلك رقابنا في الأوطان عصابات، ليتها كانت مثل صعاليك الجزيرة العربية أيام جاهلية قريش وأصنامهم، ليتها كانت في مثل أخلاقهم وشجاعتهم وشهامتهم، لكنَّا الآن نقود الأمم، ولكنها عصابات تتبع سيرة فالفايكنج وتسير على خطاهم، الذين كانوا يدمرون ويقتلون ويفتكون وينهبون ولا يتورعون عن عمل أي شيء يظنونه يصب في مصلحتهم.
اخترت يا أمي منفاي بنفسي، من بين خيارات عدَّة تجرُّني جميعها للحضيض، وتفتك بإنسانيتي، وتبيد كرامتي. فسامحيني أماه، فأنا ما رحلت إلا لأقوم بإعداد نفسي استعداداً للمواجهة القادمة التي لا مناص منها مع من أحالوا عيشنا إلى جحيم وبلادنا إلى حروب لا تنتهي، فلا تغضبي مني يا أمي، ولا يكون قلبك حزيناً.
#دكتورة_زهرة_خدرج

الاثنين، 1 أبريل 2019

الفلسطينية تُقاوم وتُعتَقل وتثبت


الفلسطينية تُقاوم وتُعتَقل وتثبت

صورة ذات صلة

إذا هاجمك أحدهم بينما أنت آمن في بلدك وبيتك.. واعتدى عليك وهمَّ بطردك من مسكنك، واقتلع أشجارك وهدد أمنك وحريتك وحياتك.. فهل ستقف متوجساً من تحركاته واجماً منتظراً خطوته التالية؟؟ هل ستقف مفكراً متردداً في الدفاع عن نفسك وأهلك وممتلكاتك متحسباً من تبعات استماتتك في دفاعك عن عرضك وشرفك؟ هل ستصرخ طالباً النجدة التي قد لا تأتيك أبداً؟ أم أنك ستقف بشجاعة وقوة، وترد الهجوم بالمثل فتتصدى لمن اندفع نحوك يهاجمك وتضع له حداً وتبذل جهدك لدرء أذاه عنك بكل وسيلة تمتلكها حتى لا يعاوده التفكير بمهاجمتك وأذيتك مرة أخرى؟.
لم تعد مقاومة المعتدي وتجنيد جميع الطاقات التي نمتلكها للدفاع عن وجودنا وأرضنا، حكراً على فئة دون أخرى بعد الخطوب التي توالت علينا جميعاً وكادت تغرقنا؛ لهذا لم يكن من المستغرب لامرأة احتُلت أرضها وقُتل أهلها وهُجِّرت من مدينتها وقريتها أن تقاوم وترفع السلاح أي سلاح تستطيعه في وجه من هاجمها.. قنبلة تلقيها، حزام ناسف تفجره، سيارة تدعس بها، سكين تطعن بها، حجر تشج به رأس المعتدي، قلم تشرح به فكرها وقضيتها وتعبر فيه عن رأيها وتحرض من خلاله على الدفاع عن النفس وحماية الأرض، شِعر تتغنى فيه بالوطن المسلوب وتحض به على مقاومة الغاصب المحتل، ريشه ترسم بها تبث من خلالها الأمل وتستنهض الهمم لتنطلق إلى تحرير الأرض واستعادة الكرامة...
ولأن المحتل الغاصب لم يكن ليرتدع ويقف في إجرامه وتعديه عند حد أو يفكر في غير مصلحته الخاصة، كان لا بد لأن يهبَّ الجميع إلى توجيه الضربات الموجعة له عله يفيق على نفسه، لأنه لن يوقظه شيء ويجعله يفكر قبل أي خطوة يتخذها سوى التصدي له وإيجاعه.. والمرأة لن تكون بمنأى عن ذلك لأنها تعاني الجرح ذاته.
نسمع من بعض المثبطين عبارات سلبية لا هدف من ورائها إلا الحد من أدوار المرأة وكبت قواها وإبداعاتها، هل انتهى الرجال لتخرج النساء للتصدي للمحتل الذي لا يرحم؟ أليس مكان النساء البيت ودورهن تربية الأبناء والعناية بهم وطاعة الزوج؟ أليست النساء ضعيفات الجسد حتى يحتملن ضغط المقاومة وتضييق المحتل؟ لو أنها ما خرجت من بيتها لما اعتقلت أو أصيبت أو تعرضت لأي أذى.
ويتناسى هؤلاء أن أذى المحتل يصلها لعقر دارها فيقتحموا عليها غرفة نومها لاعتقال أخيها أو زوجها، ويمسوها بسوء حين يوقفونها على الحواجز ويطلقوا عليها النار لمجرد الشبهة.. إذا هي ليس بعيدة عن الأذى.. بل في مرمى نيرانه.. كما يتناسوا أيضاً أن هذه الفلسطينية هي سليلة نساء عربيات مسلمات مجاهدات تربين في مدرسة النبوة شعارهن الله غايتنا والرسول قدوتنا والجهاد سبيلنا والموت في سبيل الله أسمى أمانينا، والفلسطينية المجاهدة ليست ببعيدة عن سمية بنت خياط، وأم عمارة نسيبة بنت كعب المازنية، وأم حرام بنت ملحان، والخنساء تماضر بنت عمرو السلمية... وغيرهن ممن جاهدن ودافعن عن دينهن وبلادهن وأهلهن، فكنَّ نماذجاً يحتذى بهن، وكن قدوة للأمم وأتباع الحق يسيرون على دربهن.
وبما أن المرأة المجاهدة لم  ترضَ لنفسها أن تكون كالعود الهش الجاف يميل حيث مالت الريح وتحمله وتلقي به حيث شاءت، بل أصرت أن تكون كالطود العظيم في شموخها وثباتها وعظمتها فليس بمستبعد أن تقع في الأسر، أو تثخن بالجراح أو تستشهد.. وهل يغيب عن بالنا أن المرأة وعلى مر التاريخ قد وقعت في الأسر، ودفعت ضريبة انضمامها لصفوف المدافعين عن فكرهم وأرضهم؟؟ أليس فتح عمورية خير مثال على ذلك؟ فعندما اعتدى الروم البيزنطيين على الثغور الواقعة على أطراف الدولة الإسلامية في عهد الخليفة العباسي المعتصم بالله فهدموا وأحرقوا البيوت وقتلوا الأطفال والشيوخ وأسروا النساء، فصرخت مسلمة أسيرة: وامعتصماه.. فرد عليها رومي ساخراً: ليأتينك المعتصم على حصان عربي أبلق (أي حصان أصيل قوائمه بيضاء) فسمع الحوار رجل مسلم حمل صرختها وأبلغها للمعتصم الذي قال حينها: لبيك لبيك لبيك.. وأعلن النفير العام، وجيَّش جيشاً عظيماً قاده بنفسه وفتح به عمورية إحدى أعظم مدن البيزنطيين.. وحرر تلك المرأة وغيرها من الأسر.
وأنت أيتها الفلسطينية الشامخة في الأسر المنيرة خلف القضبان المتزينة بالقيود.. لا يضيرك انهزام الكثيرين وعلى كل المستويات وتراجعهم عن درب الصمود والمقاومة وانحنائهم أمام المحتل ورضاهم بالذل والمهانة.. ولا يرعبك عنف السجان ولا تهديداته بالفتك بك وبأيام عمرك وزهرة شبابك التي تمضي ببطء شديد في ظلام الزنزانة، والقضاء على مستقبلك وكل أمل لك في الحياة.. فالظلم لا ولن يدوم، والمحتل الغاصب إلى زوال، والزنزانة غير باقية ولا القيود..

يوم عاد والدي في كيس بلاستيكي!


يوم عاد والدي في كيس بلاستيكي!
صورة ذات صلة

كنت حينها في الخامسة من عمري، ولا أتذكر الآن الكثير من الأحداث، فلا أذكر مثلاً جميع تفاصيل ذلك اليوم، ولا أذكر ما قبله، كل ما علق في ذهني فكرتان فقط لا غير، أولهما، صورة أمي القلقة التي لم تستطع الجلوس أو النوم ودموعها لا تكاد تجف عن الجريان على وجنيتها وترفض أن تتناول أي طعام، وثانيهما، عندما حمل أربعة رجال والدي وأنزلوه من سيارة، وكان ملفوفاً حينها بكيس بلاستيكي أسود، وأدخلوه في الغرفة الغربية من بيتنا، كنت حينها أسترق النظر من خلف الباب الموارب. وينقطع حبل الذكريات ويعود بي إلى حيث جذبتني أمي من يدي ومشت بي إلى الغرفة الغربية فإذا والدي ممد على السرير. وقفت أمي متسمرة في مكانها بالقرب من رأسه شاحبة الوجه، فلم تزح الغطاء عن وجهه، كما لم تأتِ بأية حركة، وكأنها مجرد تمثال متجمد من الشمع لا حياة فيه، أم أنا فقد اقتربت منه.. أزحت قليلاً عن وجهه الغطاء البلاستيكي الذي بدا كريهاً بالنسبة لي ولمست وجنته، كانت باردةً جداً، ثم أزحت الغطاء عن رأسه فظهر حاسراً أمامي، شاهدت حينها ثقباً دائرياً واسعاً في مقدمة رأسه وتخيلت أنه قد اخترق لب دماغه، رأيت الدم الجاف يملأ تلك الفجوة وقد سال أيضاً إلى محجري عينيه المغمضتين بسكينة وجف فيهما.. التزمت الصمت مثل أمي، ولم أدرِ حينها ما به أبي، كل ما فعلته أنني مضيت أفرك الدم الجاف فوق عينيه وأنفضه عنهما، كنت أنتظر أن يفتح والدي عينيه، فيقبلني كما كان يفعل وهو يداعبني، إلا أن أبي لم يفتح عينيه في تلك المرة وأصر على إغماضهما، قد يكون متعباً كعادته، لهذا آثر النوم لبعض الوقت.. كشفت الغطاء عن جسد والدي المسجى، بدا وهو يرتدي بدلة عسكرية مموهة أكثر رجولة وعنفواناً وأطول مما كنت أراه دائماً. يا إلهي، هذه هي المرة الأولى التي أرى والدي فيها بملابس كهذه، أليس والدي حداداً يصنع الأبواب والشبابيك؟ وله بدلة زرقاء داكنة يذهب بها للعمل؟ ما بال والدي اليوم يرتدي زيَّ المقاتلين؟ وما هذه الفجوة الدامية في رأسه؟ ألن يأتي الطبيب ويلصق جرح أبي باللاصق الطبي؛ ليخف ألم أبي ونزف دمه؟ ألن يفتح أبي عينيه ويحرك يديه وينهض عن هذا السرير؟ هل سيبقى متجمد هكذا؟ فإلى متى يا تُرى؟ أنا مشتاق له! فمنذ يومين لم أره، وبدلاً من عودته هو، كان البيت يمتلئ طوال الوقت بالجيران والأقارب وأناس غرباء لا أعرفهم يبكون تارة ويتحدثون بصوت خفيض تارة أخرى.. دون أن يخبرني أحد منهم بما يجري حولي.
حضر عمي وأمرنا جميعاً أن نخلي الغرفة، جذبتني أمي من يدي وما زال وجهها شاحباً خالياً من أية تعابير، نفضُّت يدي بقوة، وهربت منها، وانسللت مرة أخرى إلى جوار أبي.. الحمد لله، لقد أزالوا الكيس البلاستيكي الأسود الذي كان يلف جسده، واستبدلوه ببطانية بيضاء اللون تكسو جسده بالكامل. أزحت البطانية، وحاولت أن أدس نفسي بجواره لأحتضنه وأقبله عساه يستيقظ، يكفيه نوماً فكلي شوق له.. بيد أن عمي جذبني من يدي وأخرجني إلى خارج الغرفة وهو يصارع الدموع التي كانت تفر من بين جفونه رغماً عنه.. ضمني عمي إلى صدره، وقبلني، ومسح رأسي، وقال، من الآن فصاعداً أنت رجل البيت، أمك وأخواتك بحاجة لوقوفك معهن، لا أريدك أن تبقى طفلاً صغيراً.. كنت أنظر في وجهه باستغراب دون أن أدرك قصده.. لماذا أنا؟ أليس أبي هو رجل البيت؟ هل ألمَّ مكروه به ليقول لي عمي هذا الكلام؟.
كم كنت طفلاً ساذجاً حينها.. لو كنت أدرك ما يجري لقبلت جبن أبي ويديه وقدميه، ولارتميت في حضنه قليلاً؛ لأكسب منه قبلة وضمة قبل أن يأويه التراب إلى غير رجعة.. آه يا أبي، أقسم أنني حتى الآن ما زلت أشتهي تلك الضمة.. وكبرتُ بسرعة يا أبي دون أن أعي كيف مرت تلك الأيام، وإذا بي رجل البيت الذي تعتمد عليه أمي في كل شيء، دون أن تغادر البدلة العسكرية المموهة تفكيري.. فلا بد لرجل البيت أن يرتديها، ألست خلفاً لك يا أبي في كل شيء؟ ولكن، من أين لي بها؟ وماذا أفعل بها؟.
وحان موعدي مع تلك البدلة بعد عشرين عاماً، بعد أن أصبحت أدرك تماماً الطريق التي مضى فيها والدي وعاد محمولاً منها على الأكتاف، طريق الرجال والأحرار، وأنا أسير الآن على خطاه، وأكمل دربه الذي ارتضاه لنفسه.. رشاشي على كتفي، وقرآني بيميني..
أرى البسمة على شفتي أمي وهي تودعني في كل مرة أخرج فيها مرتدياً بدلتي المموهة بالمعوذات والرقية الشرعية، ولكنها تخفي خلف نظراتها قلق غدوت أدرك الآن كنهه، وتردد مقولتها في بعض الأحيان: "هذا الشبل من ذاك الأسد" التي يتبعها دمعة تنساب على وجنتها.

"فلنذبح غزة.. فليس من حقها أن تعيش"


"فلنذبح غزة.. فليس من حقها أن تعيش"

صورة ذات صلة
سأحدثكم اليوم عن غزة.. عن تلك البقعة البائسة التي سببت الكثير من المشكلات، وأحرجت الكثيرين، فأعيروني قليلاً من صبركم، وأرجو أن لا تصابوا باليأس، وأن لا تسيطر على نفوسكم الكآبة، وأن لا تضغطوا على سهم الرجوع إلى الوراء حتى لا تقرأوا ما سأقول، أنا أعلم علم اليقين أن كثيرين يمقتون حتى مجرد سماع اسمها أو أي شيء عنها، فمنهم من صرح جهاراً نهاراً بأنه يتمنى لو يستيقظ صباحاً فلا يجد أثراً لها، لو أن البحر يغرقها، أو زلزال أرضي يبتلعها.. هو مستعد لعمل أي شيء للاستراحة منها، حتى لو كان التحالف مع الشيطان ليتخلص من الصداع الذي اسمه غزة.
أصل الحكاية أيها الأعزة، أن المدعوة غزة قد كشفت سوأة الجميع عندما أسقطت ورقة التوت عن عوراتهم.. فقد اختارت غزة أن تسبح عكس التيار، عندما اتخذت من المقاومة سبيلاً للتعامل مع "واحة الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط" تلك المسكينة المسماة بــ "اسرائيل"، ولنتذكر حقيقة أن "اسرائيل" ليست احتلالاً سلب الأرض، واغتصب المقدسات، ونهب خيرات البلاد، وأذل العباد، وركَّع كبار القادة والرؤساء فقبِلوا خانعين أن يجلسوا معها، ويوقعوا الاتفاقيات التي تقيدهم وتكمم أفواههم وتعطي لإسرائيل الحق فيما لا تملك.. فإسرائيل ليست كذلك.
القضية أن غزة "ركبت رأسها" ورفضت ما وافق عليه القادة والرؤساء، واختارت ما يصوره لها شيطانها أنه درب الأحرار، فخلعت عنها ثياب الرفاهية والراحة، واتشحت زي الخشونة والتحدي، وتمنطقت الرصاص والقنابل، وحملت البنادق الثقال على عاتقها، وانطلقت تخطط وتُدرب وتقاوم، وتحفر الأنفاق والخنادق.. وتدَّعي بأن في قلبها يقين بنصر الله، وصوب عينيها هدف عظيم.. دبَّ الرعب في قلب اسرائيل، فهي لم تعتد على هذه اللهجة منذ هزيمة العرب في حرب أكتوبر.. فإسرائيل فقط تأمر، وهناك من يطيع وينفذ، فما بال هذه المسماة غزة تشب عن الطوق؟؟ لا بد إذن من تأديبها، وإعادتها ذليلةٌ إلى الحظيرة.
اجتمعت جميع الأطراف المعنية بالقضية، وحتى غير المعنية، حاكوا مؤامرة كبيرة في الدجى.. الحصار هو الحل، أجل لا بد من الحصار، فهو فقط ما سيعيد الناشز صاغرة.. وبدأ التنفيذ.. أُغلقت المعابر، ومنع التنقل، وشُنت الحروب على كل شيء في غزة، الشجر والحجر والإنسان والحيوان، حرباً وراء أخرى.. لم يسلم منها شيء.. استشهد الأطفال، والنساء، والشيوخ، وهدمت البيوت فوق رؤوس ساكنيها، ولم تسلم من صواريخ المحتلين التي قذفتها طائراتهم المستشفيات والمراكز الطبية ومحطات توليد الكهرباء.
حصار وحروب لم تقتل غزة.. ولم تنهِ حياتها، بل خلفتها منهكة، تفتقر لأدنى مقومات الحياة البشرية، فلا مياهها صالحة للشرب، ولا كهرباءها تصل للبيوت والشوارع والمؤسسات، فليل غزة ظلام دامس، أما مياه بحرها فملوثة تجلب الأمراض، وإذا سألت عن الخدمات الصحية والتعليمية ففيها نقص كبير، وبطالة تقهر الشرفاء فيها وتتركهم لقمة سائغة للفقر والبؤس يمضغ حياتهم ويلفظ مستقبلهم، وخريجون جامعيون بعشرات الالاف لا وظائف تحتويهم. وفي غزة أيضاً مرضى يعانون، فلا دواء في غزة يجدون، ولا تحويلات طبية لخارج غزة يأخذون.. فالمعبر لا يمكن فتحه، والتحويلات لا يمكن منحها لمرضى غزة، وكأنهم صنف آخر من غير صنف البشر. فماذا سيكون الضرر لو قضى بضعة مئات أو حتى آلاف لنقص في الماء والكهرباء والعلاج؟؟ لن يكون هناك ضرر.. بل يكونون قد أرحوا واستراحوا! ألم يقبلوا البقاء في بقعة قررت مقاومة "اسرائيل"، واتخذوا من الجهاد سبيلاً لهم؟ هم يستحقون ذلك لأنهم من غزة!.
في غزة، أن يصلك التيار الكهربائي على مدار اليوم دون انقطاع، فتعمل المروحة الكهربائية وتبرد عليك قليلاً من حر الصيف، وتبرد الثلاجة ماءك وتحفظ طعامك من التلف، وتضيء المصابيح الكهربائية بيتك دون أن تحتاج قناديل الشمع وفوانيس الكاز... ستحسب نفسك حينها أنك في الجنة.
وفي غزة، أن تعيش في بيتك بأمان، دون صواريخ تنذرك بأنها ستنهي حياتك في أية لحظة، ودون تهديدات بحرب لا تبقى ولا تذر ستباغتك في ليلة ظلماء، فتجد أنك تنتظر الغد المغرق بالأمل بشوق... فتلك أحلام عزيزةٌ بعيدة المنال.
ورغم فقر غزة وبؤسها وانعدام الإمكانيات ومقومات الحياة فيها، رغم كل ذلك ففي غزة إبداع وابتكار وأفكار خلاقة قادرة على أن تغير العالم أجمع للأفضل، وليس غزة وحدها، وفي داخلها رغبة كبيرة بحياة تشبه الحياة.. حياة تليق ببشر.
فآه لك يا غزة!! كم أستغرب منك.. فماذا تكونين؟ لم يفت الحصار في عضدك، ولا زلت تحلمين بالحياة من وسط الركام والدمار والموت، ولا زال الأمل يغرس بسمته على شفاهك..
ولكن: ولأنك قد أفسدت هدوء الجميع وأحلت أيامهم إلى كوابيس، فقد قررنا أن نذبحك يا غزة، ونتخلص من كبريائك وعزة نفسك.. فأنت، لا حق لك في الحياة.. أمامك خيار واحد فقط، إما المشي وراء القطع من أجل حفنة شعير وغرفة ماء، أو تنفيذ الحكم فيك.. فانظري ماذا تريدين.

الجمعة، 29 مارس 2019

"إنسان عربي"


"إنسان عربي"

نتيجة بحث الصور عن قهر
عن العربي المقهور داخلي أكتب، عن ذلك المسحوق الذي قدِم إلى دنيا تمتهن كرامة الإنسان دون ذنب منه. نما وترعرع، وأخذ يبصر الدنيا بعيون طفولية وبراءة، ولكن عندما كبر وجدها تكشر عن أنياب لم يعرفها، أو حتى يعتقد بوجودها.. وتبرز مخالبها القاسية.. هو لم يرتكب إثماً، فقط هو إنسان ولد في بلاد العرب، ولسانه نطق لغتهم دون إرادة منه، هو عربي رضع الحرية والكرامة مع حليب أمه، فوجدها تتقدم على كل شيء، حتى على حياته.. هو يأبى أن يكون عبداً.. كيف يكون ذلك وقد خلقه الله حراً؟ رفض الإذلال الذي تفرضه عليه معادلات طاغية باغية سائدة في المجتمعات.
ومن دون أن يدري كيف أو لماذا وجد نفسه خلف جدران رطبة مقيته، تحجب عنه ضوء الشمس ودفئها، لا نوافذ فيها.. فقط هو باب معدني سميك، في أعلاه كوَّة محاطة بقضبان حديدية غليظة.. لم يعد يرى نور النهار.. فلم يعد يدري متى أتى يوم أو متى ولى في حال سبيله.. تشابهت الأوقات أمامه حد الجنون. غابت الحياة ومعانيها عنه.. حفلات التعذيب والإذلال والإهانة كانت قدره المكتوب، ودون أن يدري لماذا صدر الحكم بحقه.. السجن المؤبد.. صرخ:
-هذا ليس عدلاً.. لماذا؟ ماذا فعلت؟
-أنت إرهابي!.
-أنت تمس بأمن الدولة واستقرارها!
-ماذا تقولون؟ أحقاً أنتم عقلاء؟
-اتقوا الله أيها البشر!

اعتقادات طفولية


"اعتقادات طفولية"

صورة ذات صلة
عندما كنت صغيرة كان جميع الناس في نظري رائعين طيبين. ظلت صورة معلمة الروضة عالقة في ذهني، جمالها يداعب خيالي، أتمنى لو ألتقيها وأخبرها أنني مشتاقة للقائها.. 

مضت بي الأيام، كبرت، وخلال عملي، التقيها وجهاً لوجه، لم أصدق نفسي 
- أتذكريني يا معلمتي؟ 
نظرت إليَّ بلا مبالاة.. ولم تكلف نفسها حتى عناء التذكر.

أدركت أن الأحلام الوردية التي طالما خالجت روحي لسنوات طويلة، كانت سراب تبدد مع أول نهار طلع عليه.