الجمعة، 4 ديسمبر 2015

أين يذهب العربي الحر؟

أين يذهب العربي الحر؟


إذا كنت عربياً فهذه مشكلة... والأدهى منها أن تكون عربياً ترفض الذل أو ترفض أن تحيا للقمة العيش فقط... لأنك ستكتشف حينها أنه لا مكان لك في هذا العالم العربي الممتد من المحيط إلى الخليج... ستضيق عليك الأرض بما رحبت به، فجميع العواصم العربية تنوء بالأحمال فلن تستطيع استيعاب حملك أيضاً... حتى العاصمة التي أبصرت نور الحياة لأول مرة فيها ستتخلى عنك... ربما تسعك سجونها فقط... أما دون ذلك... فمعذرة... لا مكان لك.

توجهت إلى صنعاء... فوجدتها ضاقت على من فيها، هجرها أهلها بعد أن تنفذ فيها طغمة من الفاسدين المفسدين... الذين سرقوا، ونهبوا، ودمروا، وقتلوا وهكذا دواليك، حتى أصبحت صنعاء ابنة العروبة، غريبة في بلاد العرب، لا تذوق للاستقرار والراحة طعما.
غادرت صنعاء إلى دمشق... فإذا بها قد دُمرت... بعد أن استفرد بها الطغاة الظالمون، رجالها كالشياه يذبحون، وفي معتقلات التعذيب يقضون، أما فتياتها ونساؤها فيعتقلن، ويغتصبن، وفي أحسن الأحوال والظروف فقط يشردن... أما أطفالها ففي مجازر جماعية يقتلون، أميون دون مدارس وتعليم يعيشون، وإلى دول الجوار يشردون. لملمت نفسي المبعثرة وهمومي وجراحي وقررت الإبقاء على روحي، فرحلت عن دمشق... داعيةً لها بتفريج الكروب، والخلاص من الظلم والظالمين.

وصلت القاهرة، مدينة عمرو بن العاص... فوجدت الأمن والأمان ينعدمان فيها، أما العدالة فقد غادرتها وانتقلت إلى رحمته تعالى، بعدما أحكم العسكر قبضتهم على أنفاسها. حتى لقمة العيش عزت على الكثيرين فيها في معظم الأوقات. ومن لم تقتله البطالة من أبنائها، قتله العسكر في الميادين والجامعات والسجون، حرائرها يختطفهن مجهولون من الشوارع العامة في وضح النهار، ويسقن إلى أماكن مجهولة، وتنقطع أخبارهن ويُهدد أهلهن إن تحدثوا عن أي شيء يخص ذلك، حتى بات الأسعد حالاً هو من لم يولد ولم ير الظلم على وجه هذه الأرض.
في القاهرة حذار أن يكون لك عقل يفكر، فلربما يغويك تفكيره هذا فترفض الظلم الواقع عليك، لأن الرفض محرم وممنوع، كلمة لا مسموحة فقط في عبارة "لا إله إلا الله"، والحذر ثم الحذر أن تستعمل أحد الحروف الآتية: (إ، خ، و، ا، ن) لا تنطقها على لسان، فقد تم حذف هذه الأحرف الخمسة من اللغة العربية، فعلماء اللغة في مصر اتفقوا أن مجموعة الأحرف هذه تجلب الإرهاب وتدمر الدولة بمجرد أن ينطق بها الشخص، لهذا تم تحريم تداولها منعاً لانتشار العدوى، فأرجوك لا تتلفظ بها "فالحيطان" لها آذن ستسمعك إن نطقتها، وسيتم استضافتك في "طرة" حينها، لأنه الفندق الوحيد الذي يليق بمقامك، وسترى فيه من عجائب الدنيا ما لا عين رأت ولا أذن سمعت لا ولن يخطر لك على بال ما سيحدث بعد ذلك.

خطرت ببالي بغداد، بلد الرشيد، وبلد الحدائق المعلقة والتاريخ العريق، فقررت الذهاب إلى العراق، علني أجد سلوتي بين الحضارات الإنسانية العريقة التي مهدت لتطور الإنسان وتقدمه، من حضارات بابلية وسومرية وأشورية... بمجرد أن وطئت قدماي العراق وداعبت رائحة مياه دجلة والفرات الخلايا الحسية في أنفي، اعتقدت أن بغداد هي العاصمة العربية التي ستستوعب وجودي فيها... خابت آمالي عندما وجدت الخطر المحدق، فمهد الحضارات الإنسانية لم يعد فيها أي احترام لبني الإنسان، روح الإنسان فيها من أرخص الأشياء، لتحافظ على حياتك لا بد وأن تكون مع التيار العاتي الذي يجرف أثناء سيره كل ما في طريقه، وإلا الويل ثم الويل... فالقتل على الهوية أو سجن أبو غريب على أقل تقدير.

قررت قطع رحلتي والعودة أدراجي إلى فلسطين الجريحة... فلن أذهب إلى طرابلس، أو بيروت، أو باقي العواصم العربية. فالأمن، وحرية الاعتقاد والكلمة، واحترام كرامة الإنسان، التي أعياني البحث عنها، لم يعد لها أثراً في بلاد العروبة، بل أضحت من المحرمات التي تعرض مطالبيها للقتل والتشريد والسجن. 

عدت إلى القدس، استغاثات المسجد الأقصى التي لا تنقع صمَّت أذناي، هدير الطائرات وأصوات انفجارات الصواريخ وانهيار المباني وصرخات الأطفال والثكالى في غزة أحالت الدنيا في ناظريَّ ظلام دامس...
ولكن فجأة... داخلني شعور بالسعادة والسرور عندما بدأت ألمح خيوط الأمل تتسرب يحملها المقاومون على أكتافهم ويعبرون بها الأنفاق إلى داخل القطاع، يبثونها في نفوس المحاصرين والجرحى والثكالى، ويبعثون بها نسمات حياة للأقصى تحمل له رسالة مفادها... لا تحزن إن الله معنا... انتظر قليلاً، سنعبر إليك محررين بإذن الله.


د. زهرة وهيب خدرج

الاثنين، 16 نوفمبر 2015

"عش وقتك ولا تستعجل المستقبل"

"عش وقتك ولا تستعجل المستقبل"

عبارات تتردد على ألسنتنا طوال الوقت؛ عندما أكبر، عندما أنتهي من عمل كذا، عندما يسافر أخي، عندما أتزوج، عندما أنجب... الخ وعادة ما تليها عبارة... سأفعل كذا وكذا. نردد هذه العبارات ليس من باب التخطيط في الغالب، وإنما من باب استعجال مرور اللحظة الحالية ليأتي المستقبل... عساه يحمل بين ثناياه أوقات أفضل مما نحن فيه في اللحظة الحالية... أضف إلى ذلك تمنينا لزوال الشيء الذي يسبب لنا الضغط النفسي أو الألم في اللحظة الحالية واستعجالنا للحصول على السعادة في النهاية... ولا ننسى أنه لا يمكننا الحصول على النجاح وما يرافقه من شعور السعادة ولذة الانتصار من دون المرور في محطات من التحدي والألم والصبر، وإلا لكان النجاح والسعادة في متناول الجميع. "في العام الدراسي المنصرم كانت ابنتي في الثانوية العامة... فعندما اشتدت عليها أعباء الدراسة، قالت لي ولأكثر من مرة: أتمنى قدوم اللحظة التي أنتهي فيها من المدرسة وهمومها بسرعة، ما أجمل أن تصبح كبيراً وتنهي مدرستك! وكنت في كل مرة أجيبها على قولها: ستنهين مدرستك شئت أم أبيت وستتذكرين هذه الأيام وستتمنين عودتها... وحينها لن يتاح لك ذلك... فعيشي لحظاتك الحالية بحلوها ومُرها... ابحثي عن الأشياء الجميلة وسط الألم والمعاناة... وستجدين السعادة والنجاح بانتظارك في نهاية الطريق".
ما أقوله دائماً هو:" عش اللحظة كما هي بجميع حسناتها وسيئاتها"... لا تتعجل زوالها... فبغض النظر إن كنت راغباً بزوالها أو متمنياً استمرارها... ستمضي في سبيلها على كل حال ولن تنتظر رغبتك ومشورتك... لأن هذا قدر الله وسنته. الوقت سيمضي غصباً عنك... وما أعمارنا إلا لحظات وثواني تجر بعضها بعضاً... ونفاجأ بانتهائه دون أن نحضر أنفسنا بشكل كافٍ لهذه النهاية.
جميعنا نكره اللحظات المؤلمة والتجارب التي نصمها بالسيئة... ولكن؛ هل كل لحظة مؤلمة وتجربة سيئة نخوضها هي شر؟ أليس الكثير من الألم وما نسميه "بالسوء" يحمل في طياته الكثير من الخير؟ وكيف لنا أن نتعلم وأن نكتسب الخبرات في حياتنا من دون تجارب نخوضها وتسبب لنا المعاناة والألم؟ وماذا لو كانت الحياة كلها سعادة وسرور... هل سيبقى للسعادة طعم ولذة؟ أم أن الاعتياد والسأم سيفقدها طعمها اللذيذ؟
لنأخذ مثلاً العدوان الظالم على غزة؛ عدوانٌ مدمر... قتل وجرح وأباد وشرد ويَتَمَ الكثيرين... نمقته ونصفه غالباً بالشر والسوء... لا يختلف اثنان في أنه ظالم... ولكن هل هو حقاً شر؟ لنسأل أنفسنا سؤالاً؛ هل يمكن ان يأتي النصر من دون حرب وشهداء؟ وكيف يمكننا إخافة الأعداء ووضع حدٍ لعدوانهم وتعديهم على كرامتنا وحقوقنا من دون قتال ودماء؟ إذن أصبح ما نعتبره شر يحمل الكثير من الخير في جنباته!! فقط حين نغير زاوية النظر!
تذكر... لا تستعجل انتهاء اللحظة التي تعيشها لأنها تعج بما يؤلمك... إنما ابحث على الجوانب المشرقة فيها، فليس كل شيء مؤلم خال من المتعة أو خال من كل ما هو طيب وجميل... حبَّة الصبر... تكسوها الأشواك من الخارج إذا حاولت لمسها بثت أشواكها في يديك وآلمتك... ولكن داخلها لبٌ حلو طري غنيٌ بالمواد التي يحتاجها جسمك... إذن هي ليست سيئة وليست شرٌ كما نعتقد، إنما هي خير اكتسى ببعض الشر.
الوقت أثمن ما نملك... لأنه هو حياتنا فما هذه اللحظات والثواني والدقائق إلا مكونات عمرنا... وما مضى منها لن يعود أبداً مهما دفعنا أو فعلنا... فأرجوك أرجوك لا تردد عبارات مثل أنا فقط أحاول قتل الوقت... هذا وقت فراغ أتخلص منه بالتلفاز أو الفيس بوك...الخ... ولا تحاول أن تقنع نفسك بهذه الأفكار، بل ذكر نفسك دائماً بأن ما تحاول قتله والتخلص منه هو أيام حياتك التي إن مضت لا تعود... فاستثمر وقتك بالأشياء المفيدة لك وللمجتمع... ابحث عن ما يُرضي الله وافعله بحماسة، وصمم على إنجازه... فأنت مختلف عن أي أحد آخر فلديك ما يميزك عن غيرك... لأنك مسلم...
في حياتنا الكثير من الأشياء المهمة والجميلة التي تنتظر من يقوم بها وينهيها... والتي تحتاج لوقتك وجهدك... فإن كنت تؤمن أنك تحمل رسالة وأمانة وأنك يجب أن تؤدي أمانتك... فاعلم أنك لا زلت حي وفاعل مهما بلغ بك العمر... وفي اللحظة التي تؤمن بها بأنك قد انهيت ما عليك ولم يعد لديك ما تفعل... فاعلم بأن الموت قد بدأ يتسرب إليك...
لا تقل لا يوجد شيء أفعله... بلى يوجد الكثير... فقط انظر من زاوية أخرى إلى ما حولك... وسترى أشياء جديدة كانت قد اختفت عن ناظريك...
ازرع زيتونة أينما حللت... وسيطرح الزيتون ثمراً بعد مرور الوقت وسيصلك أجره من الله أينما كنت ومهما كان حالك... ازرع ياسمينة في كل بقعة أرض تعطر بشذاها الهواء فتبث السعادة في نفس مسنٍ مريضٍ أو طفلٍ يتيم أو أرملةٍ حزينة... بُث الأمل في نفوس من تتعامل معهم وتقابلهم، شجعهم وادعمهم نفسياً وذكرهم بالله الذي لا يضل عنده شيء أبداً... أشعل شموع وأضيء الطريق لمن سيمضي في دربك من بعدك. اترك بصماتك المضيئة التي لا تمحوها الأيام والسنين... أينما حللت وارتحلت... وتذكر أن الله لا ينسى ما يفعل كلٌ منا!!!

د. زهرة وهيب خدرج


انتفض واخرج من أعماقك

انتفض واخرج من أعماقك
الكثير من الحدود والمعيقات غير موجودة على أرض الواقع، إنما نفرضها نحن حول أنفسنا في أعماقنا، فنتذرع بها لتبرير جمودنا في مكاننا وعدم التقدم إلى الأمام، نفعل ذلك لأننا نخاف المجهول والأخطار المحتملة التي ربما يحملها في ثناياه، كما نخشى الفشل، فنفوسنا لا تحتمل السقوط أرضاً بعد أن بنينا لأنفسنا مكانة اجتماعية وعودنا أنفسنا على نمط مريح من الحياة، ليس هذا فقط وإنما ترانا لا نمتلك كمية كافية من الثقة بالنفس لنقوم ببعض التغيير في حياتنا لنصبح أفضل مما نحن عليه الآن، لهذه الأسباب جميعاً؛ ترانا نتسمر في مكاننا، ونرضى بما وصلنا له وما حققناه، ونقنع أنفسنا بأننا وصلنا نهاية السلم... فآن لنا الأوان أن تستريح... وهناك سؤال يطرح نفسه هنا بقوة؛ وهل يوجد هناك راحة في هذه الأرض التي شقي نبي الله آدم عندما نزل إليها؟ أليس الخلود إلى الراحة هو بداية طريق الانحدار والهبوط والتراجع؟
لا تبادر إلى إقامة الحدود حول نفسك، فلا يوجد شيء ينقصك حتى تصبح أفضل, أقوى, أكثر ثراء وذكاء ومهارات, بل حتى أسرع أو أجمل، فستصبح عظيماً إذا كنت تريد أن تكون من العظماء، فعملت لذلك بكل قوتك، وستصبح قائداً إذا اردت ذلك وجندت له همتك وعقلك وإمكانياتك وهكذا دواليك. فأنت إنسان؛ حباك الله بالكثير من الإمكانيات التي تؤهلك لإعمار الأرض وتصدر المقدمة، فكل شيء موجود بالفعل بداخلك فقط عليك ان تبحث عنه في ثنايا نفسك وشخصيتك... الكثير الكثير من القدرات مدفونة داخلنا لا نعلم عنها شيئاً... نتمنى لو أننا نمتلها لنكون كأناس آخرين حازوا على إعجابنا لأنهم امتلكوها، ولا ندرك بعقلنا الواعي أنها موجودة داخلنا، وهي بحاجة فقط لأن ننفض الغبار عنها ونوقظها من سباتها العميق الذي تغرق فيه منذ سنوات طوال لأننا تركناها خاملة في مكانها فلم نزعجها...
ما عليك سوى أن تخلو بنفسك بعض الوقت، فتحدد ما تريد (أن تضع هدفاً تعيش من أجل تحقيقه)، ثم ترسم خطوطاً واضحة تحدد من خلالها آلية تحقيق ذلك الهدف، ثم تحشد همتك وطاقاتك وتنطلق بقوة... لتجعل ما كان يبدو حلماً بعيد المنال واقعاً ملموساً تشاهده بأم عينك.
تذكر... ستواجهك الكثير من التحديات... التي ستجدها عقبات تحول دون بلوغك مرامك... ولكن لا تستسلم... بل ثابر وتابع وتحمل وتحدى... لا تشفق على نفسك لأنك تعب مرهق لا تنام جيداً ولا تفعل الأشياء التي يفعلها جميع الناس العاديين والتي تحبها أنت أيضاً... ولكنك لست إنساناً عادياً إنما أنت من نوع خاص. ولا تقل يبدو أن ما أصبو إليه بات من المستحيلات... لا تعتقد بوجود شيء اسمه مستحيل... فالمستحيل موجود فقط في عقول من مسهم سحر الكسل والتخاذل وفقدان الإرادة...
وتذكر أيضاً... الطريق المؤدية إلى النجاح فيها الكثير من المطبات التي ستفقدك توازنك للحظات فربما تقع أرضاً... أرجوك... لا تتأثر! فالمطبات العشوائية من أهم التضاريس الطبيعية لطريق النجاح، التي لن تصل إلى القمة من دون أن تجتازها... لملم أجزائك واستعد توازنك وقف مرة أخرى، واستفد الدروس والعبر من هذه العثرات حتى تتجنب حدوثها لاحقاً... لا تقل أخشى السقوط مرة أخرى... ولكن قل لم أبلغ المكان الذي أطلبه بعد... فثابر وتحدى وتقدم بإصرار... فبلادك بحاجة لك ولقدراتك العظيمة ولنجاحك وتفوقك!
اشحن معنوياتك دائماً بالإيجابيات وأبداً لا تخبو، فأحلك الظروف والحالات تبطِّن داخلها خيراً ووريَ عن نواظرنا...
ولا تنسى... مكانك هناك في المقدمة لا زال شاغراً ينتظرك... أليس له جاذبية لذيذة وطعم خاص ومميز يشدك إليه...

د. زهرة وهيب خدرج


صلاة الفجر... مصنع الرجال العظماء

صلاة الفجر... مصنع الرجال العظماء
من منا لا يعرف الشيخ المجاهد الشهيد أحمد ياسين... الذي أقعدته إعاقته وضعف جسده ورفعته همته إلى العلياء؟؟ عزيمته وإرادته وإصراره... هذه الصفات التي تحلى بها جعلته يقض مضاجع المحتلين، فيحاصرونه تارة ويحبسونه تارة أخرى ويقتلوه في الأخيرة عندما اعتقدوا أنهم بذلك يتخلصون من تأثيره العظيم في الناس... وكأنهم بقتله يرتاحون من عظيم أفكاره، ولم يعلموا أنهم بقتله أضافوا نيشاناً جديداً على صدره... ولم يتمكنوا من انتزاعه من قلوب الناس الطاهرين المؤمنين.
فعلى الرغم من إعاقة الشيخ التي قد يجد الكثيرين بها سبباً للقعود في البيت وأداء الصلاة فيه، إلا أنه كان يصر على الخروج والصلاة في المسجد... فكتب الله له الشهادة خلال خروجه من صلاة الفجر، لتكون شاهداً تشهد له أمام الله، حينما يأتي يوم القيامة وقد أدى صلاته...
أن تصلي الفجر يعني أن تصحو وأنت في قمة نومك، وتقوم من فراشك الدافئ المريح، لتتوضأ وتصلى ركعات... صحيح أن تلك الركعات خير من الدنيا وما فيها... إلا أنها صعبة على النفس، فمن صلب الراحة تقوم على عجل، لأن النداء قد دعاك للخروج لتقف بين يدي الله...
صلاة الفجر.. مصنع الأبطال والمجاهدين والعظماء، هي ملتقى التقاة والصابرون والباحثون عن الرفعة والقبول والتوفيق، هي معهد لتعليم الرجولة والعظمة والتقدم... هي سر من أسرار النصر والتمكين... ولهذا سطر لنا التاريخ حكايات العظماء الذي استشهدوا في طريقهم إلى أو من صلاة الفجر... كأمثال عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب... رضي الله عنهما.
فكم منا نحن الآباء والأمهات نوقظ أبناءنا قبل أذان الفجر، ليتقربوا إلى ربهم بركعات عظيمات، يدعون الله للأمة ولأنفسهم ولأحبتهم؟ كم واحد منا يطلب من ابنه أن ينام مبكراً لأن هناك صلاة فجر بانتظاره، فإن تأخر في النوم فلن يكون نشطاً حين يستيقظ لأدائها؟ كم بيت من بيوتنا تراه مضاءً قبل أذان الفجر، ينطلق القرآن من جوفه ويتسابق أهله للوضوء والصلاة قبل فوات الوقت؟
أيُنصر المسجد الأقصى ونحن نتهاون بهذه الفريضة التي تغرس العزم وقوة البأس والصبر في النفوس، فنؤخرها مرة، وتفوتنا مرات؟ أيُحرر المسجد الأقصى والأسر المسلمة تسهر حتى ساعات متأخرة من الليل على أفلام ومسلسلات ومقاطع فيديو؟ أيُنصر الإسلام ويُرفع الظلم عن أهله وأبناؤه يضيعون الكثير من وقتهم على الفيس بوك ومواقع التواصل الاجتماعي الأخرى أكثر من الوقت الذي يقضوه في تلاوة القرآن وتَعَلُم شؤون دينهم وصلة أرحامهم؟ أيستطيع أناس أن يصمدوا أمام عدو الله وعدوهم ويقاتلونه حتى يغلبونه وينتصروا عليه بإذن الله، وهم لا يستطيعون أن يغلبوا أنفسهم لينهضوا من النوم ويقفوا بين يدي الله؟
تنقصنا نحن المسلمين في هذا الزمان المر الهمة العالية، والإرادة الصلبة، والعزم الثابت، وتعوزنا الأخلاق الرفيعة الراقية التي تميزنا عن غيرنا من الناس، ولن يصقلنا شيء مثل صلاة الفجر في وقتها... ولن يجلب لنا النصر والتمكين على أعداء الله مثلها، ولن يعلم أبنائنا الرجولة حتى يتمكنوا من استعادة المسجد الأقصى وبقية المسلوب من الأرض والحقوق والحريات مثل ركعات الفجر...
فكن من أهل الفجر الذي أقسم الله به في كتابه الكريم، واطرب سمعك بنداء الله أكبر... الله أكبر... لا إله إلا الله... الصلاة خير من النوم... هبُّوا أزيلوا الغطاء عن أجسادكم ونفوسكم ولبوا النداء.... واخرجوا في الظلام، ليس لدنيا تصيبونها، ولا لأموال تطلبونها، وإنما لله ولقربة ولطلب رضاه.
قال صلى الله عليه وسلم: «بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة» رواه الترمذي وابن ماجه.

د. زهرة خدرج

امرأة تركت صداها في نفسي

امرأة تركت صداها في نفسي
"أمينة قطب" الشاعرة والأديبة المصرية التي نشأت في أسرةٍ ملتزمة ربت أبناءها على الدين والصلاح... وعاشوا تجارب الجهاد والثبات... والألم والفقدان والصبر... فقد اعتقلت أمينة في السجن الحربي، وأوذيت كباقي أفراد الأسرة، فصبرت على ألم القيد... وصبرت على ألم الفقدان عند استشهاد أخيها الأديب والمفكر والكاتب الإسلامي العملاق "سيد قطب".
شغفت أمينة منذ بداية حياتها بالشعر، حتى أنها كانت تعطيه الأولوية على دروسها، وكان الجو من حولها يغذي ذلك الشغف بالأدب والشعر.. فشقيقها سيد قطب أديباً وكاتبا، وشقيقها محمد قطب شاعراً وكاتباً أيضاً. أخذت أمينة تحاول نظم الشعر إلا أن محاولاتها في البداية لم تصل إلى المستوى المقبول، فاتجهت إلى كتابة القصة القصيرة، إلا أنها استمرت في قراءة الشعر، خاصة مع التشجيع من أخيها سيد على المضي قدما في هذا المجال، ونقده لكتاباتها، وتوجيهاته الأدبية لها، وتعريفها بمسالك ودروب الشعر والأدب الذي رأى أنها قادرة على مواصلة السير فيه، ورعايته لمحاولاتها الحثيثة، ليُخرج منها أديبةً ملتزمة، يُعِدها للمرحلة الصعبة التي تراءت أمامه في الأفق البعيد... فهذا هو الوقت المناسب للإعداد في هذه الفترة التي تميزت بالهدوء الذي لن يكون هدوءً دائماً، بل عَلِم بفراسته واستقرائه لما يجري من أحداث أن هذه الفترة ستكون الهدوء الذي يسبق العاصفة... فلم تقتصر توجيهاته على أمينة وحدها بل اجتهد فيها مع جميع أشقائه، ليُخرِج من أحاسيسهم المرهفة كتابات أدبية تكون ذخراً للإسلام يُعِدوها لحين الحاجة إليها... وليحافظ على كتاباتهم لتكون أدباً ملتزماً مصبوغاً بالصبغة الإيمانية، وأن يضبط تصوراتهم وأحاسيسهم ومشاعرهم لتكون بعيدة عن تصورات الجاهلية واتجاهاتها في التعبير في النثر والشعر... ولم يقف عن أداء هذا الدور حتى في أحلك الظروف التي مر بها عندما كان محتجزاً خلف قضبان السجن... يعاني الظلم والقهر...
كتبت أمينة الأديبة، والشاعرة، في مجالات أدبية عدة ونشرت عدداً من أعمالها في مجلات أدبية صدرت في القاهرة، قبل أن تتعرض الحركة الإسلامية في مصر للابتلاء.
تزوجت أمينة من المجاهد السجين كمال السنانيري، الذي ما لبثت أن فقدته شهيدا. فالطريقة والتفاصيل التي تم فيها عقد وطقوس الزواج ترسم صورة أخرى من صور تحدي الطاغية، الذي عزم على القضاء على دعاة الإسلام بشتى السبل؛ فبالقتل إن أمكن، وإهدار الأعمار بين جدران الزنازين والعزل الانفرادي في أغلب الحالات، ومحاولاتٍ حثيثة ومستمرة لمحو كل أثر لهم في المجتمع، وإنكار وجودهم وأدنى حق من حقوقهم...-وكما هي عادة الحق- يأبى دعاته التسليم بالأمر الواقع... ويرفضون التهميش... بل ويفرضون أنفسهم ومبادئهم بأشكال شتى... فتكون الهزيمة من نصيب الطاغية في النهاية...
وتَم عَقدُ الزواج... من وراء القضبان... ما بين كمال السنانيري الذي كان يقضي فيه حكماً ظالماً بالأشغال الشاقة المؤبدة (25 عاماً)،لم يمضي منها سوى خمس سنوات، وأمينة قطب؛ الشابة الفتية الملتزمة دينياً... المثقفة...الأديبة... وزواج كهذا معناه أن هذه الفتاة ستمضي ما يقارب عشرون عاماً تنتظر اللقاء بزوجٍ مغيبٌ قسرياً  وراء أسوار السجن... ولكنها لم تتردد في المضي قدماً في الزواج... بل أصرت عليه... لتعيد الأمل لكل مجاهد يقاسي ظلمة الأسر... فهو هناك داخل زنزانته... يقضي دقائق وثواني العمر في ظلمة الأسر بعيداً عن دفء الشمس والحرية وكل معنى جميلٍ مشرقٍ من معاني البشرية... وجريمته التي ارتكبها... أنه اختار طريق الحق ليسير فيه ويقول: لا للطاغية...!!
وتمضى الليالي بتثاقل... الليلة تلو الأخرى... ولا يحس ببطئها مثل من يعاني من ألم الانتظار... ويرسل كمال لأمينة رسالةً يفتح لها إمكانية الانفصال عنه بسبب طول فترة بعده عنها التي لا خيار له بها... فترد أمينة بأنها مصرَّة على المضي قدماً في هذا الطريق إلى جانب خطيبها الأسير.
وتنقضي سبعة عشر عاماً، ليفرج عنه عام 1976م ، ويخرج ليواصل مع أمينة رحلة الوفاء والكفاح، ليتمَّ اللقاء والزواج، وليعيشا معاً أحلى سنوات العمر، ولم يُقدر لهما في سنوات زواجهما القليلة أن ينجبا الأبناء، عساهم يكونون امتداداً لهم في دعوتهم... ولكن هذا قدر الله... ومن عظيم كرم الله انه عوضهم عن أبناء الدم بأبناء العقيدة والدعوة... وتميزت فترة ما بعد خروجه من الأسر؛ بالنشاط الدعوي المتواصل، فلم يركن إلى الدعة والراحة بعد معاناة الأسر الطويلة التي مر بها وتحملها في صبر وثبات... فقد كان له دوره الجهادي العظيم في أفغانستان، بعد تعرضها للغزو الروسي... عدا عن دوره الدعوي في مصر...  فمن دأب الدعاة والمصلحين أن لا يتخلوا عن رسالتهم التي يعيشون لأجلها... مهما عانوا من تبعاتها... ومهما لحق بهم الأذى في سبيلها
كما هي عادة السعادة... فإنها لا تكاد تأتي حتى ترحل مسرعة، فتخالها أنها لا تستطيع الاستقرار في مكانٍ واحدٍ طويلاً... إنما هي دائمة الترحال... فقبل نهاية عام 1981م، اختُطف الزوج مرة أخرى وسجن مع كثيرين غيره من أبناء الحركة الإسلامية... وارتقي شهيداً -بعد بضعة أشهر- تحت أصناف التعذيب والأذى التي لا يطيقها بشراً ... فكيف بجسدٍ نحيل كجسد الشيخ كمال السنانيري الذي تجاوز الستين من العمر... ويشيع الطغاة أنه قد انتحر بشنق نفسه... وعجباً منهم ومن أكاذيبهم... فمن صمد عشرين عاماً في سجنٍ مهين يتذوق من العذاب الأشكال والألوان... ويقبل ذلك بثبات نفس، ورسوخ إيمان... هل يُصدق أنه يجزع لاعتقاله بعد ذلك لفترة قليلة من الزمن، فيُقدم على قتل نفسه؟... وتُسَلم الجثة إلى الأهل على أن يوارى التراب دون مراسيم جنازة أو عزاء...
وأمينة الأديبة توظف الأدب (قصة وشعرا) في خدمة الدين والجهاد والمعاني النبيلة في الحياة، فتوجه رسائلها الأدبية إلى السائرين على درب الدعوة تشد من أزرهم... وتبث الشعر العربي مشاعر طالما آلمتها وأشعلت صدرها... فتخرج الكلمات رقيقة صادقة باكية مفعمةً بأمل اللقاء والفرج... تقول:
هل ترانا نلتقـي أم أنهـا *** كانت اللقيا على أرض السراب؟!
ثم ولَّت وتلاشـى ظلُّهـا *** واستحالت ذكـريـــــــــــــــاتٍ للعذاب
هكذا يسـأل قلبي كلمــا *** طالت الأيام من بعد الغياب
فإذا طيفك يرنــــــــــــــــو باسـماً *** وكأني في استمــــــاع للجـــــــــواب
وتبقى أمينة قطب محبةً مخلصةً وفيةً لذلك الزوج والحبيب، فتعيش بقية عمرها على ذكراه... بانتظار اللقاء عند الله... في الجنة... وتغادر أمينة قطب عالم البشر إلى عالم الله سنة 2007، لتلقى الزوج الحبيب، والأخ العزيز وباقي الأحباء... ندعو الله لها بالرحمة والمغفرة...

د. زهرة خدرج

أحلام طفولة

أحلام طفولة
إذا كنت في أمر مروم**** فلا تقنع بما دون النجوم
في صغري حلمت كثيراً بأن أصبح رائدة فضاء، تخيلت نفسي بملابس رواد الفضاء المنفوخة داخل مركبة فضائية تحط على المريخ، وتدرس تربته وغلافه الجوي... كانت معلماتي وزميلاتي وجميع من حولي يسخرون مني، ويتندرون على حلمي... إلا أبي، فقد كان يصدق أحلامي، ويشجعني، ويشتري لي الكتب العلمية، ويشجعني على قراءتها، ويعلن عن استعداده دوماً لبذل كل ما لديه من أجل تعليمي ما أريد... كبرت، وصغرت الأحلام، عندما علمت بأن الفلسطيني خياراته محدودة، وجنسيته لا تعطيه الحق في وصول جميع الأماكن التي يرغب في العالم، ولكني لم أستسلم، بل تابعت الدراسة والقراءة والتعلم، وعاهدت نفسي على عدم العيش على الهامش، رفضت إلا أن أكون امرأة غير عادية، لديها الكثير لتعطيه لمجتمعها ووطنها ودينها... حفزت نفسي وبحثت عن كل ما يُعلي الهمة... وجدت حتى الآن درباً صعباً جداً، فيه الكثير من التعب والألم والمعاناة... وفيها مشاعر جميلة وبعض لحظات السعادة... كانت النجوم أحلامي... والآن أعمل لترك سيرة تلمع كالنجوم.
في طفولتنا نربط كل الأحلام بالكبر، فتكون أول جملة يقولها كل طفل: عندما أكبر سأفعل، عندما أكبر ســــــــــــ... وهكذا، يرهن حياته الحالية بقدوم المستقبل البعيد، وعندما يحدث أهله ومن حوله بما يحبه ويحلم بتنفيذه، تراهم في معظم الأحيان يضعون الحواجز أمامه عندما يقولون له: لا زلت صغيراً الآن، أترك هذا الكلام حتى تكبر، ولكن ما تتحدث عنه صعب ولا تسمح ظروفك بالوصول إليه... فتراهم لا يساعدوه أو يعلموه أو يأخذوا بيده ليبدأ شق طريقه منذ تلك اللحظة التي بدأ يحلم فيها، ليحيل ذلك الحلم إلى واقع... بل على العكس، يثبطوا همته ويصروا على أن يجعلوا منه إنسانياً عادياً ليس هناك ما يميزه.
ليتذكر كل منا الأحلام العظيمة الجميلة التي دارت في خلدنا في فترات مضت وأرقتنا وسلبت النوم من جفوننا في طفولتنا أو صبانا أو بواكير شبابنا، ما أجملها وأروعها! ما الذي منعها من أن تصبح واقعاً يا تُرى؟ فهل أصبحنا أو أننا في طريقنا لأن نصبح أطباء، أو مهندسين، أو علماء آثار، أو صحفيين كبار، أو رواد فضاء، أو مدراء مدارس، أو قادة عظام، أو... أو... كما كنا نحلم؟ لماذا يا تُرى؟
يقول أحد مدربي التنمية البشرية العالميين: "اجعل لنفسك أعلى وأروع رؤية ممكنة الآن، لأنك غداً ستصبح ما كنت تعتقده اليوم"! فإذا كنت تعتقد نفسك قوياً وقادراً على تحقيق حلمك، فإنك ستحققه بالفعل.
عندما تؤمن بحلمك، وتصيغ طموحاتك وأحلامك على شكل أهداف تضعها نصب عينيك، وتصرُّ على بلوغها، عندها فقط تكون قد سلكت الطريق الصحيح الذي يحيل الحلم إلى واقع تعيشه. ثابر وكابد الصعاب... ذللها... تحدى نفسك، وتخيل نفسك باستمرار وقد بلغت ما تريد... تذوق طعم النجاح الذي حققته، استشعره، وقد أصبح واقعاً.
لا تلعب مع أطفالك أو أي أطفال تجعلك الأقدار تتعامل معهم، نفس الدور الذي لعبه الكبار معك عندما كنت صغيراً، اصغ لأحلامهم، اتركهم يتخيلونها ويتحدثون عنها، ويصفون مشاعرهم تجاهها، والعب دوراً إيجابياً تجاه أحلامهم، احترم مشاعرهم وأحلامهم وقدِّرها، وجههم الوجهة الصحيحة التي تعينهم في بلوغ الحلم، علمهم الإصرار والمثابرة والجَلد، شجعهم على وضع هدفٍ نصب أعينهم منذ صغرهم، أثنِ عليهم، وأكد لهم دائماً بأنك تثق بقدرتهم على بلوغ تلك الأحلام والطموحات، وعندما تواجههم الصعوبات والتحديات، شجعهم على الاستمرار، وذكرهم بأن طريق النجاح وعر وصعب، فلا يمضي فيه إلا المثابرون المميزون المتفوقون...
د. زهرة خدرج

الأربعاء، 23 سبتمبر 2015

"أصنام من لحم ودم"

"أصنام من لحم ودم"


عندما كان الإنسان بدائياً وساذجاً وبسيطاً يسكن الكهوف والمغارات، وحتى عندما سكن الخيام والبيوت الطينية كان يبحث عن إلهٍ يراه، ويلمسه، ويقتنيه في بيته، فيقدسه، ويتعبد إليه ويقدم له القرابين ويطلب منه ما يشاء وقت حاجته أو خوفه. وتلبية لتلك الحاجات والاعتقادات صنع الإنسان في تلك الأوقات أصناماً من طين، وحجر، وخشب، ومعادن، ومن تمور أيضاً وجعلها على هيئة إنسان اعتقاداً منه أن باستطاعتها حمايته وتحقيق أمانيه ومطالبه. 

وبعث الله الرسل والأنباء الذين بينوا للناس ضلال الطريق الذي يسيرون فيه، وأن هناك إلهاً واحداً لا شريك له، هو من ينفع ويرزق من يشاء ويعلي قدر من شاء، وهو القادر على كل شيء، وإنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون... تغيرت الصورة أمام الناس بعد أن اتضحت المعالم... فكفر الناس بالأصنام وآمنوا برب الأنام، عندما علموا وأيقنوا أنها أصناماً لا تضر ولا تنفع.

ولكن... بعد أن اعترانا الضعف وتمكنت الهزيمة من نفوسنا، خلعنا ثوب الإيمان الذي ارتديناه لفترات طويلة من الزمن قدنا العالم خلالها، وقدمنا للبشرية ما لم يسبقنا أحد به، عندما أيقنا أن الله فقط هو أُهلٌ للعبادة والطاعة... فأي أمر منه لا نقاش فيه، إنما علينا أن نقول سمعنا وأطعنا...ثم ننطلق للتنفيذ.

أما أغرب الغرائب وأعجبها، أننا في زمن العلم والتطور والتقدم والوهن، قد عدنا لعبادة الأصنام، بعد أن تركناها لقرون طويلة... ولكن أصنامنا من نوع خاص، يليق بإنسان العصر والتكنولوجيا والفضاء والذرَّة، فلم تعد أصنامنا من مواد بدائية كما كانت في السابق، إنما غدت أصنامنا من بشر... من لحم ودم... حين أصبحنا نقدس الأشخاص ونقدم لهم فروض الولاء والطاعة ونتقرب لهم أملاً منا في وظيفة أو منحة دراسية أو هبة مالية أو درءً لشرهم أو رغبة في قربهم... أو...أو...

وأصبح الصنم البشري يضع نفسه بمرتبة الإله –حاشا لله-حين أصبح يعتقد يقيناً أن رقاب الناس ومستقبل أبنائهم ورزقهم بيده... يقطعه متى شاء ويطلقه كيف يشاء، ما عليه إلا أن يصدر الأوامر فقط.

وتدور في خلدنا الكثير من الأسئلة عن سبب ما يجري لنا من تأخر وقتل ودمار، فمن هو المسؤول تحديداً؟ هل هم الأصنام البشرية؟ أم الظروف المحيطة؟ أم أن الشعوب تشاركهم تلك المسؤولية، فتكون لنا يد فيما وصلوا إليه؟ صحيح أنهم هم من ابتدعوا البدعة منذ البداية، إلا أننا قبلناها وآمنا بها ومارسنا طقوسها وطبقناها في حياتنا ووزنا جميع الأمور بميزانها، حتى أصبحت من المسلَّمات واليقينيات التي لا نقاش فيها، فيا ويح من يكفر بها بعد ذلك!

ورحم الله الشاعر السوري "عمر أبو ريشة" حين قال في أحد أبيات قصيدته "أُمتي" التي سُجن بسببها:

كم من صنمٍ مجدّته**** لم يكن في طُهر الصنم

الأصنام كثيرة لدى شعوب الأمة العربية الإسلامية اليوم...أصنام ليست بريئة كأصنام الجاهلية، بل أصنام تضر ولا تنفع، تقتُل وتسجِن وتشرِد وتحاصِر...أصناماً لا تفقه إلا شريعة الغاب؛ فما وجدت الشعوب الضعيفة إلا لتُؤمر فتطاع فقط، وليس لها من الحقوق شيء، حتى حقها في الحياة، الصنم البشري هو من يقرر إذا ما كانت تستحقه أم أن الأمر بحاجة لنظر ومراجعات!!.


د. زهرة وهيب خدرج 

قوى تؤثر في حياتنا بشدة..... لذة الكسب وألم الحرمان

قوى تؤثر في حياتنا بشدة لذة الكسب وألم الحرمان


لماذا لا نتخذ قرارات في الكثير من المواضيع أو الجوانب الحياتية التي تحتاج إلى حزم الأمر فيها؟ لماذا يتجنب الكثيرون الوقوف مع الحق بشكل علني دون مواربة على العلم أنهم يعلمون علم اليقين أن هذا حق وأن الطرف الآخر هو الباطل؟ لماذا يبذل طفلك كل ما بوسعه في الدراسة ليحصل على المعدل الذي اشترطه عليه لتشتري له حاسوب خاص به؟ ما الذي يدفع المجاهد إلى الانطلاق في عملية عسكرية دون أي تردد على العلم أن الاحتمال الأغلب هو عدم عودته سالماً منها؟ وما الذي يجبر فتى في الثانية عشرة من عمره تدخين سيجارة أمام أصحابه برغم كراهة دخانها الذي يكاد يخنق أنفاسه؟

الدافع وراء هذه الأشياء وغيرها الكثير من الممارسات والتصرفات التي نقوم بها في حياتنا هي إما رغبتنا في كسب الشعور بالسرور والسعادة والراحة، أو رغبتنا في إبعاد الشعور بالألم أو الحزن الناتج عن حرماننا مما نرغب  ونريد.
يوجد في الدماغ البشري مركز أسمه" مركز الجوائز" وهناك من يسميه بـــِ"مركز السعادة" فعندما نعمل شيئاً نحبه يقوم مركز الجوائز بإفراز هرمون الدوبامين "هرمون السعادة" فيجري في عروقنا ويؤثر في أعصابنا وعظامنا وعضلاتنا وعلى كل خلايا أجسامنا فشعرنا بالراحة والسرور والاسترخاء... وهذا الشعور هو الجائزة التي تقدمها أدمغتنا لنا لأننا فعلنا شيء إيجابي... خلق الله فينا هذه القوة " لذة الكسب" وما تخلفها من سعادة يعقبها شعوراً بالاسترخاء والراحة والسرور لما لها من أهمية في بقائنا... فنحن نبحث عن الطعام عندما نجوع لنشعر بلذة الشبع، ويترتب عليها وصول المواد الغذائية اللازمة لبقاء الجسم صحيحاً... ووضع الله في الإنسان الرغبة الجنسية التي يبادر لإشباعها، وما يترتب عليها من لذة، لضمان التناسل واستمرار الجنس البشري.

وهناك جوائز تأتي في المرتبة الثانية أو الثالثة حسب أولويات نفوسنا وأجسادنا... بامتلاك النقود يأتي في المرتبة الثانية... فعدم امتلاكها لا يشكل خطراً على حياتنا ولكنه يشكل خطراً على شعورنا بالسعادة... لهذا نسعى بكل قوانا إلى امتلاك النقود.

ولاحظوا معي كيف تؤثر لذة الكسب في حياتنا اليومية حتى باتت كالمحرك لنا... راجعوا أنفسكم وتذكروا الكثير من المواقف... ما الذي دفعكم إلى القيام بما قمتم به؟ وتذكروا بعض الأمثلة على قراراتكم التي اتخذتموها؛ ما الذي دفعكم إلى هذا الاختيار وليس الاختيارات الأخرى؟

إنه الرغبة في الحصول في النهاية على لذة الكسب وما يعقبها من سعادة، أو درء ألم الحرمان وما يعقبه من حزن ومشاعر سلبية أخرى. لقد باتت هاتان القوتان تتصارعان داخلنا فتؤثران في تفاصيل حياتنا وقراراتنا الني نتخذها.
ولكن يعود إلى الواجهة السؤال الآتي: هل معرفتنا بهاتين القوتين له تأثير على حياتنا؟ أأنتبه إلى أنني عندما أتناول طعامي يعقبه لذة وسعادة أم لم أنتبه، أألاحظ أن صيامي في نهار شهر رمضان يسبب لي عصبية لا تنتهي إلا عندما أفطر مساءً وأدخن التبغ الذي اعتدت على تدخينه، أم لم ألاحظ، هل يؤثر ذلك في حياتي؟ وهل ستغير هذه الملاحظات شيئاً في الواقع الذي أعيشه؟

وأنا أقول إن معرفتك بهذه القوى وانتباهك إلى تأثيرها في حياتك وقراراتك ومعاملاتك مع الآخرين تجعلك تسيطر على نفسك ومشاعرك... ولن تصبح حياتك حينها عبارة عن فعل وردة فعل بسبب سيطرة هذه القوتين عليك.

وإليك هذا المثال الذي سيثبت لك صحة ما أقول... خلال حفر المسلمين للخندق حول المدينة المنورة استعداداً لغزو الأحزاب لنواة الدولة الإسلامية، لاقى المسلمون من الألم والمشقة ما لا قِبل لهم به، ولأن الله علم رسوله ونبهه إلى أسرار النفس البشرية، فعندما ضرب صخرة كبيرة استعصى على المسلمين اقتلاعها لإكمال الحفر، تقدم نبي الله عليه أفضل الصلاة والتسليم، وضرب بفأسه... فتطاير الشرر من شدة احتكاك الفأس بالصخرة... فعلا صوته بالتكبير قائلاً: الله أكبر فُتحت كسرى... وعندما ضرب ضربة أخرى وتطاير الشرر أيضاً أعاد قوله بنفس الحماس مردداً: الله أكبر فُتحت الروم...
ولو تفكرنا في هذا الموقف لاستغربنا جداً بل لعجبنا وربما شعرنا بشيء من التناقض؛ فقد بات الأحزاب  على أعتاب المدينة لغزوها، والمسلمون خائفون على أنفسهم ودينهم ونبيهم... محاصرون لا يمتلكون من العتاد والقوة العسكرية إلا القليل... منهكون من الضنك والجوع... مضغوطون نفسياً لأنهم يجب أن ينتهوا من حفر الخندق قبل شد الخناق حولهم... ويشاهدون نبيهم صلى الله عليه وسلم تَعِبٌ وجائع مثلهم... جميعهم في أشد حالات الضعف البشري...
وتراه يضرب بالفأس ويبشرهم بفتح بلاد الروم وبلاد فارس...!! أليس هذا شيء عُجاب؟؟؟

ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم علمه ربه وأحسن تعليمه، أدرك أن ألم الحرمان في اللحظات التي يعيشونها في تلك اللحظة ممكن أن يتبدل إلى لذة وسعادة كسب... فقط يحتاج إلى القليل من الدعم النفسي والتشجيع والتصبير... فبشرهم في تلك اللحظات بفتح فارس والروم... وذكرهم في ذروة الضعف والألم بالسعادة التي ستتلوها والنصر الذي سيعقب الضعف.

وهذا بالضبط ما أريد منكم أن تتذكروه دائماً... فالكثير من التجارب التي نكون بحاجة لأن نخوضها والتي تحمل الكثير من الألم في طياتها... ترانا نتحاشى خوضها، ولكن تذكروا... ليس كل ما يسبب الألم سيء وليس كل ما يسبب السعادة جيد... فهل ممكن أن تنجب الأنثى من دون الكثير من ألم المخاض؟ وهل ممكن النصر واستعادة الكرامة والذود عن الدين والبلاد دون معارك، وشهداء، ودماء؟ وهل ممكن لطالب العلم أن يتفوق من دون ألم السهر وقضاء الساعات الطويلة في طلب العلم؟ فخلف الألم تكمن آمالٌ تتحقق... وخلف السعادة اللحظية يقف الكثير من الخسارة في بعض الأحيان. فالأنثى التي لا تريد الإنجاب لتتجنب آلام المخاض، تخسر طفلاً يشعرها بأمومتها... كما تخسر أن يخرج من نسلها مجاهداً أو قائداً أو عالماً أو رجلاً صالحاً موحداً بالله. وهكذا أيضاً جميع الأشياء الأخرى التي نتجنبها ونرفضها درءً للألم المترتب عليها، لأننا نظرنا للألم ولم ننظر للسعادة طويلة الأمد التي تعقب الألم والحرمان اللحظي.

تذكروا... الحياة الدنيا دار امتحان... نحسبها شيء كبير ونتناحر لأجلها... ولكنها عند الله لا تساوي جناح بعوضة... فابحثوا عن ما يُرضي الله واعملوا ما يقبله واطلبوا رضاه... لا تقولوا تعبنا أو مللنا... لا تبحثوا عن المتاع اللحظي الزائل... فما عند الله خير وأبقى

انظروا إلى الحياة بإيجابية... وابحثوا عن الأشياء الجميلة في كل مكان وداخل كل شخص... فقد تنبت زهرة فواحة وسط الركام... وقد تعلوا بسمة رائعة ثغر طفل وسط الدموع فتخفف الألم وتمسح الحزن.

هناك في الحياة أشياء كثيرة تستحق أن نحيا لأجلها... ليس لأنفسنا فقط وإنما للإسلام ولجميع من حولنا...
فأخلوا الفرح في قلوبكم وقلوب من حولكم واجعلوه جزءً منكم حتى وإن طال الليل... فخلف ظلمة الليل فجر ينتظر البزوغ...
وكل عام وأنتم بخير


د. زهرة وهيب خدرج

بين يدي رجل

بين يدي رجل

كانت محط أحلامه منذ صغره... منذ بدأ يعي ما يدور حوله... منذ أدرك ماذا يعني وطن... وماذا تعني فلسطين... كانت تزوره في خياله... تداعب ناظريه وقلبه ولكنها سرعان ما تختفي بسرعة البرق... ما أروعها... ما أطيب رائحتها... يخفق قلبه بشدة بمجرد أن يتذكرها... كم تمنى لو تصبح بين يديه... لو يمتلكها... يلمسها... ينتشق عبيرها... ويضغط على زنادها فينطلق صوتها الأبي مزغرداً في سماء الكون...

لم يكن الحصول عليها مجرد أماني تسبح في خياله وهو مستلقٍ على الأرض في ظل شجرة البرتقال... بل حلم تحول إلى مولد للطاقة والجهد، يعمل لساعات طويلة في قطف البرتقال في موسم القطاف، وبالعناية بالأشجار في بقية أوقات العام بأجر زهيد، ليجمع بعض المال، فينفق بعضه، ويوفر ما تبقى مهراً ليتسنى له أن يتقدم لخطبتها...

واكتمل المهر... وتمت الصفقة... وها هي ذا في بيته بين يديه... لا يكاد يصدق نفسه... تلمسها ليتأكد أن وجودها بين يديه حقيقة وليس حلماً... ما أنعم وجهها البارد!

وجودها معه قلب حياته رأساً على عقب، فقد أهمل عمله، حيث أخذ يغيب لساعات طويلة كل يوم في منطقة أحراش نائية، يتدرب على استعمالها وإصابة الهدف فيها، إعداداً للمرحلة القادمة والخطة الحاسمة التي سيثأر فيها لفلسطين، ووالده الشهيد، وأخيه الأسير، وأرضهم المصادرة، وأمه التي قضت قهراً وحزناً، فلم يتبق له أحد من أسرته يؤنس وحدته... إذن ليس ثأراً واحداً وإنما خمس...

بعد الليلة الأولى التي قضتها في بيته وآنست وحدته، لم يعد يستطيع اصطحابها لتعود معه في نهاية كل نهار... فالخطر بها محدق... فالعيون كثيرة ترقب كل شاردة وواردة... ولحرصه عليها... أنشأ لها مكمناً تختبئ فيه حتى عودته إليها...

خلال ذهابه وإيابه كان يرقب المستوطنة التي تجثو كالقبر على أراضي القرية، وتمتد كالسرطان الخبيث بسرعة كبيرة. ويرسم خطط وسيناريوهات مختلفة لعملية جهادية فردية يقوم بها، ويشعر أنها باتت محور حياته... انتظر فترة طويلة حتى اجتمعت كل الظروف المناسبة للتنفيذ، وعلى رأسها وجود حبيبة قلبه تشاركه بطولته... تنجو معه إن نجا... وتستشهد إلى جانبه إن كتب الله له الشهادة...

حانت ساعة الصفر لبدء تنفيذ الخطة... انطلق إلى مكمنها مع بزوغ خيوط الفجر الأولى... صلى الفجر وهو يعتليها على كتفه... وانطلق داعياً الله أن يوفقه ويسدد رميه... اجتاز بفضل الله حواجز عدة بنجاح، بعضها مكهرب... وبعضها شائك حتى تمكن من الوصول إلى الهدف المنشود... قفز داخل السور... وتسلل إلى شرفة المنزل وفتح قفلها بطريقة تدرب عليها جيداً في أوقات مضت دون أن يحدث أي صوت يثير الشبهات...كان من في البيت يغطون بنوم عميق بعد أن رقصوا وسكروا في الليلة الماضية حتى ساعة متأخرة، كعادتهم ليلة السبت...

ربما تتساءلون: هل اختياره للمنزل كان محض صدفة أم أنه كان عملاً مدروساً؟ وإذا كان مدروساً لماذا هذا المنزل تحديداً؟
اختار هذا المنزل تحديداً دون غيره لأن ساكنه ضابط شرس في جيش الاحتلال عُرف عنه عداؤه الشديد للفلسطينيين أصحاب الأراضي المصادرة فكان لا يكف عن إيذائهم والتضييق عليهم، أما زوجته فقد كانت مجندة بذيئة اللسان عدوانية جداً لطالما آذت أهل قريته خلال قطفهم لأشجار الزيتون التي تقع بالقرب من المستوطنة.

أصبح بعد لحظات في وسط المنزل، توجه لغرفة النوم التي كان بابها مغلقاً... فكر بأن يفتح الباب ويدخل إليهما، ولكن ربما يستيقظان ويطلقا النار عليه فيقتلانه دون أن يحقق هدفاً، ولكنه عدل عن هذه الفكرة، فتناول عبوة زجاجية كبيرة الحجم كانت بالقرب منه... قذف بها على الأرض، فتناثرت قطعها محدثةً دوياً عالياً، وفي نفس اللحظة أخفى نفسه وراء عمود في وسط البيت... هب الضابط فزعاً إلى خارج غرفة نومه، ليستطلع الأمر ومسدسه بيده، فأطلق مجاهدنا النار عليه مصوباً إلى رأسه، فأرداه قتيلاً، فما كان من زوجته إلا أن أطلقت وابلاً من الرصاص تجاه مجاهدنا فأصابته إصابات متعددة في أنحاء مختلفة من جسمه... وقبل أن يقع أرضاً تمكن من إطلاق رصاصة أصابتها إصابة بالغة قتلتها بعد أيام... وارتقى هو شهيداً إلى ربه... وسقطت حبيبته إلى جواره أرضاً... بعد أن غطتها دماؤه النازفة.


د. زهرة وهيب خدرج

"منطقة الأمان والراحة" لماذا نتخلى عن أحلامنا؟

"منطقة الأمان والراحة"

لماذا نتخلى عن أحلامنا؟


"جاءت راكضة نحو أمها في الصباح الباكر قائلة: أُمي لعبت بالأمس مع ابنة جيراننا حلى وأختي تقوى لعبة طبيب الأسنان، فقد كان سن حلى يؤلمها عند تناولها الطعام، وكان على وشك أن يسقط من مكانه، فارتديت قميص أخي أحمد الأبيض، لأصبح طبيبة أسنان، وقد فحصت أسنان حلى وحضرت لها دواءً من عصير الليمون ليخفف ألم سنها، وأسقيتها إياه ... أمي: عندما أكبر سأصبح طبيبة أسنان وسيكون لي مركز أسنان خاص بي، أعالج فيه كل الأطفال الذين تؤلمهم أسنانهم، ولن أستعمل الحقن المؤلمة في علاجهم، بل سأخترع طريقة أعالجهم بها من دون حقن".

في طفولتنا يسيطر علينا الخيال الواسع والاحلام... فنحلم بأننا أبطال خارقين، وأطباء جراحين، ومهندسين ماهرين، ومديرون، ووزراء، ورؤساء دول، ورواد فضاء، وآباء وأمهات مميزين... ونلعب مع إخواننا وأصحابنا اللعبة، فنتقن الأدوار ونتفنن في الأداء، ونعيش دقائق الأحداث وكل التفاصيل، فيبدو الواحد منا  وكأنه حقيقةً طبيب ماهر والآخر مريض متألم... وهكذا.

ما يميز أحلامنا ويميزنا في تلك الأوقات، أننا نصدقها، بل نؤمن بها، وأبداً لم نكن على استعداد لأن نصدق أنها محض أحلام طفولية. ويمضي الوقت فنكبر في الحجم والقدرات والخبرات، ولكن أحلامنا تأخذ بالتضاؤل شيئاً فشيئاً... فلدى الكثيرين منا، ما كان حلم سيحققونه عندما يكبرون... يصبح عندما يكبرون فعلاً مجرد أحلام طفولة عابرة... يتذكرونها وهم يضحكون من أنفسهم، ويحدثون من حولهم عنها.

ما يحدث حقيقةً أنه؛ عند وصولنا لمساحة تحقق لنا بعض الاستقرار المادي والمعنوي والاجتماعي وبعض الأمن الذي يرافقهما... ترانا نلتصق بها ونخلد للراحة والسكينة في تلك المساحة... فيصبح من الصعب علينا أن نتخلى عن الراحة والأمان الذي حصلنا عليه، لهذا نتخلى أيضاً عن أحلامنا التي كانت تراودنا بأن نصبح متفوقين ومتقدمين وقادة... وهذا يبرر لنا، لماذا يتوقف الكثيرون عند أول محطة نجاح يصلون إليها في حياتهم ولا يتابعون النجاحات والإبداعات على الرغم من العقلية الفذة والقدرات العظيمة التي يمتلكونها... فهم يخافون على أنفسهم ونجاحاتهم من المجازفات التي قد يتعرضون لها إن هم استمروا في المضي قدماً إلى الأمام، فتحدثهم أنفسهم أنهم ربما يخسرون ما حققوه في أحد المحطات القادمة... فتراهم يتجمدون في مكانهم ويعدون أنفسهم في زمرة الناجحين.

إن رضيت لنفسك الخلود إلى السكينة والراحة، ولم تتابع ما بدأت من نجاح، فاعلم أنك قد وصلت إلى مرحلة بدء الفقدان... فقدان ما حققت من نجاح... فالشعلة إن لم تمدها بوقود يحافظ عليها مشتعلة... فستنطفئ بعد مضي بعض الوقت عليها، عندما ينفذ الوقود من حولها... فنجاحاتنا بحاجة لوقود نمدها به... وهي إبداعاتنا وطاقاتنا التي لا بد وأن نستمر في بذلها في سبيل الحفاظ على ما حققناه.
صحيح أن التغيير والتجديد والمجازفات تشعرنا بالخوف، ولكن أليس الخوف لبعض الوقت أفضل من الاختباء في الظل لفترات طويلة من الحياة؟ فإذا كنت تريد أن تتميز أو تقود أو أن يُحفظ ذكرك... فلا تقف مكانك مهما بلغت من العلى... فالعلى بحاجة لأن تستمر في المثابرة وبذل الجهد حتى تحتفظ به...

فما كان من جهدك أنت لا ترضى بما وصلت له، بل تابع ما دمت حياً... وما كان من الله، فارض بما قسم لك... تكن أسعد الناس، وتترك خلفك بصمة يذكرك الناس بها بعد أن تمر من هذه الدنيا.


د. زهرة وهيب خدرج

الأربعاء، 26 أغسطس 2015

هل تحبيني؟

هل تحبيني؟


أمسك بطرف ثوبها وهزه بقوة قائلاً: أمي هل تحبينني؟ كثيراً ما يسألها هذا السؤال خاصة عندما تنشغل عنه لبعض الوقت، وكأنه يريد أن يتأكد أنه لا يزال الأحب بالنسبة لها رغم مشاغلها الكثيرة التي تخطفها منه، فهو دائم القلق والحرص على مشاعرها تجاهه. أجابته من دون تردد وبعاطفة جياشة: أنا "بموت" عليك، أنت روحي!

طرب لكلماتها وانطلق خارجاً لإكمال لعبة كرة القدم مع ابناء الجيران، تعلو وجهه ابتسامة عريضة. تذكرت فجأة صينية الدجاج مع البطاطا التي وضعتها قبل ساعة ونصف في الفرن، انطلقت راكضة للاطمئنان عليها، حمدت الله عندما وجدتها لم تحترق بعد!

سمعت فجأة صوت انفجار عنيف هز أركان منزلها الصغير، حتى خُيل إليها أنه سينهار فوق رؤوسهم، سيطر القلق عليها، وتدفق سيال عاتي من الأفكار حول سبب الصوت ومصدره، وبسرعة توجهت للخارج باحثةً عن صغيرها، وجدته ملقى على الأرض ووجهه مغطى بالدم، صرخت بقوة وضمته إلى صدرها... فإذا به يلتقط أنفاسه بصعوبة...

كان جسماً مشبوهاً هو الذي انفجر فيه، بعد أن ركله بقدمه إلى الأعلى... خلَّف انفجاره جروحاً عميقه في ساقه ووجهه، وأفقده البصر في كلتا عينيه... فاستحالت الدنيا في ناظريه ظلام دامس... واصطدمت نفسه فجأة بواقع جديد، مرير ومؤلم...

تقبلت تماماً ما حدث، بل حمدت الله وشكرته، ورأت فيه ابتلاءً من الله، فرغم أن زوجها أسير محكوم بالسجن المؤبد، وابنها الأكبر شهيد، وها هو ذا صغيرها يفقد البصر إلى الأبد... إلا أن عزيمتها لم تضعف، بل صممت أن تجعل منه إنساناً ناجحاً مميزاً مهماً في مجتمعه. وهذا هو قدر المرأة الفلسطينية المسلمة المقاوِمة دائماً، فلا مكان للضعف لديها... ولا مكان للهزيمة... إنما النجاح في مهمتها الجهادية هو الخيار المطروح أمامها فقط...

دعمته نفسياً بكل ما أوتيت من قوة، وأخذت تشحن نفسه بالقوة والعزيمة والإصرار والإيمان بالله... علمته كتاب الله حتى حفظه عن ظهر قلب، وتعلمت هي لغة "بريل" وأخذت تعلمه إياها... حرفاً بحرف وكلمة بكلمة... بل أخذت تطبع بنفسها الحروف والكلمات بتلك اللغة، لتكوِّن النصوص التي تريده أن يقرأها ويتعلمها... تبذل الكثير من الجهد في تعليمه، وفي أداء مسؤوليات البيت والأسرة، فلديها ثلاث بنات بحاجة للكثير من الوقت والجهد أيضاً.

كان يسيطر على نفسه أحياناً حزن عميق، عندما يجد نفسه مختلفاً عن غيره من الأطفال، فقد كان يسمعهم يلعبون كما كان يلعب من قبل... أما الآن فلا... فهو إما أن يتعثر في حفر الشارع إن أراد الخروج، أو أن يتعرض لضربات كراتهم.

قدمت له على مدار سنوات طويلة كل ما تستطيع من حب وعناية وتحفيز دائم وشحذ لهمته، علمته الإصرار والمثابرة ونجحت في غرس حب العلم في نفسه، كان همها دائماً أن تجعله يعتمد على نفسه ويحل جميع مشكلاته بنفسه، لدرجة أنها كانت كثيراً ما تبكي لشعورها بأنها تقسو عليه كثيراً... ولكنها كانت تخاف إن ماتت هي، أن لا يجد من يعتني به، لهذا لا بد له من أن يعتمد على نفسه تماماً.

شب الصغير شغوفاً بالقراءة ومعلقاً قلبه بالمساجد... فقبل كل صلاة كان يجلس يتلو القرآن بصوت عذب حتى الإقامة، فيصلي ثم يتحسس الطريق بعصاه عائداً إلى البيت.

مرهف الحس جداً نشأ هذا الصغير... لمست فيه حبه للأدب، وبدأ رحلته في الكتابة الأدبية في الرابعة عشرة من عمره، بعد عامين، عرضت كل ما كتب على أستاذ جامعي للغة العربية، ليقوِّمه ويوجهه...

في نهاية الصفحة الأخيرة من كتابات صغيرها الأعمى الذي غدا شاباً يافعاً، كتب الأستاذ ملاحظة جعلتها تطير فرحاً وتشعر أن الله قد عوض صبرها وتعبها في السنوات الماضية.

الملاحظة هي" ها أنا ذا أشهدُ مولد أديب جديد، أتوقع له مستقبلاً واعداً... قدماً وإلى الأمام...".

د. زهرة وهيب خدرج


في أقبية التحقيق

في أقبية التحقيق

صدر أمر باعتقالي... طوقت الدار في ليل مظلم... وقبل أن يطرقوا الباب كانوا قد تسوروا البيت فإذا بهم في غرفة نومي... وخزني أحدهم بطرف بارودته... صارخاً بي: أفق يا هذا... فتحت عيني على مضض لأستيقظ من الكابوس الليلي الذ ألم بي لأجد أنني استيقظت على الكابوس ولم أستيقظ منه... فالكابوس أمامي... طبعاً لا أدري من هؤلاء أو ماذا يريدون مني... ملابسهم وأسلحتهم تخبرني أنهم قوات أمن... هذا ما أدركته لتوي...

استيقظت أمي على الجلبة التي أحدثها هؤلاء في البيت صرخت بهم بشجاعة: من أنتم وماذا تريدون... اخرجوا من هنا... قابل أحدهم صراخها بصراخ أعلى منه، آمراً إياها بالانزواء جانباً وعدم التدخل... وأعقب قائلاً: اسأليه ماذا فعل وستعرفين بنفسك ماذا نريد منه.
لم يتركوا لي فرصة استبدال ملابسي، فالجو في الخارج شديد البرد، وأنا أنام كعادة الكثير من الناس بملابس النوم الخفيفة... كانوا متسامحين جداً وإنسانيين عندما سمحوا لي بوضع الحذاء في رجلي والذهاب إلى الحمام لقضاء حاجتي...

عصبوا عينني وقيدوا يدي برباط بلاستيكي رفيع أحكموا شده على يدي لدرجة أحسست معها أنه بدأ يخترق لحمي من اللحظة الأولى لوضعه... اقتادوني خارج البيت، واركبوني سيارة يفتح بابها من المؤخرة... أدركت أنها سيارة عسكرية... عصفت أفكار كثيرة في ذهني... إلى أين يقتادونني؟ وماذا يريدون مني؟ ماذا حدث حتى يأخذونني في منتصف الليل بهذه الصورة؟ وما الأمر العاجل الذي استدعاهم إلى الإسراع بأخذي وعدم السماح لي بتغيير ملابسي؟

بعد مسافة ليست بالقصيرة أدركت من خلالها أنهم اقتادوني لمنطقة أخرى غير تلك التي أسكنها، دفعوني بقسوة للنزول من السيارة، التي لم أستطع تقدير ارتفاعها عن الأرض فكان ذلك سبباً في سقوطي أرضاً...

وبدأت جولات التحقيق والتعذيب من شبح وتعليق كما تعلق الشاة المذبوحة عند سلخها، إلى الجلد بالبربيش البلاسيتكي المرن، الذي كنت أشعر بكل ضربة منه تهوي عليَّ، وكأنها تنتزع أجزاءً من لحم ظهري وكتفيَّ وذراعيَّ  وتذروها في الهواء، وقبل أن أستطيع أخذ نفس قصير تكون الضربة الثانية والثالثة وغيرها قد اصطدمت بجسدي تعذبه لدرجة تفقده الإحساس والوعي أحياناً، ترافقها ألفاظ بذيئة وشتائم لم تترك لي لأمي أو لأخواتي عرضاً أو شرفاً...

وفي أحيان أخرى وبعد أن أهانوني بشكل لا يوصف، وحقَّروني، وعاملوني كأني حشرة لا يعبأ بموتها أحد، أرسلوا لي من يحدثني بهدوء واحترام، ليلعبوا بعقلي ومشاعري، فقد أخذ المحقق يوهمني بادعائه بأنه ليس كالمحققين الذين سبقوه، فهو يشفق لحالي، ويقدر ألمي ومشاعري، ويرفض لي هذا العذاب وتلك الإهانات... فهو هنا ليساعدني فقط لحرصه  الشديد عليَّ وعلى أن لا أتعرض للمزيد من التعذيب، ولأخرج بأقل الخسائر... حاول كثيراً اللعب بمشاعري عندما أخذ يذكرني بأمي التي تكاد تموت حزناً وكمداً عليَّ، ووالدي الضعيف الذي يحتاج وقوفي إلى جانبه وتلبية احتياجاته واحتياجات الأسرة... وزاد الطين بلة عندما أخذ يلعب على وتر بأن ما يحدث معي لا يرضه لابنه وأنا كأحد أبنائه...

ضغط عليَّ كثيراً لأعطيه المعلومات الخاصة بزميل وصديق لي في الجامعة، والتي لم يحضروني إلى هذا المكان إلا ليحصلوا عليها بأي الأساليب كانت، بالترغيب والترهيب والضرب والمكافئة... لا يهم الوسيلة التي تستخدم، المهم هو الحصول على المعلومة... هذه المعلومة التي لا تمسني أنا شخصياً وإنما تمس شخصاً آخر، فالمعلومة التي بحوزتي هي الحلقة المفقودة التي يبحثون عنها لتحكم السلسلة حلقاتها حول رقبة صديق الدراسة... فيتمكنوا من الإمساك به ليغدو لقمة سائغة في أفواه المحتلين...

منذ اللحظة الأولى للاعتقال تحديت نفسي بسؤالها، هل يا تُرى تكون رجلاً فتصبر وتتحمل الأذى وتصمد؟ تكون شجاعاً كما عهدك الجميع دائماً، فتغلق فاك ولا تثرثر بكلام مهما كان نوعه حتى لا تؤذي نفسك ولا تؤذي من نذر نفسه وروحه لله وفي سبيل الحفاظ على هذه الأرض والحفاظ على كرامة وعزة أهلها؟؟؟ أم ستكون ممن ينجو بنفسه ولتحترق الدنيا بعدي؟؟؟

عاهدت نفسي حينها على الصبر والثبات ، وطلبتهما من الله، وقلت لنفسي: أبداً لم تربني أمي على الجُبن والنذالة، ولن ترضه لي الآن، أنا مستعد لدفع روحي ثمناً للتغطية على مجاهد لم أشاركه يوماً في جهاده، ولكني سأشاركه اليوم في اقتسام أجر الجهاد بالتغطية عليه وتحمل كل شيء يبعد الأذى عنه...

د. زهرة خدرج


ماذا تقدم لأمتك؟؟

ماذا تقدم لأمتك؟؟


يقال إنه بعد الحرب العالمية الثانية شاعت بين اليابانيين مقولة: سأعمل لأسرتي 8 ساعات وسأعمل لليابان ساعة كل يوم، وجميعنا يعلم كيف تطورت اليابان وارتقت بعد الكارثة التي تعرضت لها بعد الهجوم النووي الذي قامت به الولايات المتحدة على اليابان، وأدى إلى تدمير مدينتي هيروشيما وناجازاكي، فاليابان لم تقعد مكانها ترثي الكارثة التي حلت بها، بها عمل شعبها بإخلاص وجد حتى عادت مرة أخرى كما كانت... بل أفضل مما كانت.

ونحن الفلسطينيون، أبناء الإسلام ماذا نقول؟ ماذا سنقدم لفلسطين لترتقي؟ وماذا سنقدم للإسلام لنعيد له العزة ونعيده قائداً للأمم؟ لا تقل وماذا يجدي جهدي، ما أنا إلا فرد واحد، رجل كبير في السن، أو امرأة في بيتها، أو طالب مدرسة أو جامعة، أو صبي في لهوه، أو شاب يسعى وراء رزق عياله... الخ... لا تقل هكذا، مهما كنت، وأينما كنت، ومن تكون، لا يهم كل ذلك... لا تخلي نفسك من المسؤولية...
فالأمة بحاجة لك ولجهودك... فماذا قدمت وتقدم لها؟ أتتقن عملك؟ أتربي أبنائك على الصلاح والفلاح وحب الدين والوطن؟ أتطلب العلم لله ولرفعة الأمة والوطن؟ أتشغل عقلك لينتج أفضل ما يمكنه لمنفعة الأمة؟ أتحفظ القرآن وتتعلمه وتطبقه في حياتك لله؟ أتقرأ وتتعلم السنة النبوية وتحيي السنن وتحض من حولك على إحيائها؟ أتصاحب الصالحين لتصلح بصلاحهم؟ أتتقرب من أهل الله حباً في الله وأهله؟ أترتدين أختي اللباس الشرعي الذي لا يصف ولا يشف وغير ملون أو مزركش أيضاً لله؟ أتطيعين أختاه زوجك وتتحببين إليه لله؟ أتحسنون إلى جيرانكم وتحافظون على شوارع نظيفة خالية من القاذورات والأذى لله؟ ماذا تقدمون لأمتكم؟؟ وما أكثر الأشياء التي يستطيع كل منا تقديمها لله وللأمة ليرقى المجتمع الإسلامي وينهض، حتى وإن كنت معدوم الإمكانيات، فابتسامة لطيفة تلقى أخاك بها وتجعل نيتك لله، لا تكلفك شيء، ولكنها ستسعد قلبك، وإلقائك السلام في الشارع على من تعرف وما لم تعرف أيضاً ليس بحاجة لإمكانيات مادية، ومساعدة طفل ليقطع شارع مزدحم بالسيارات لا يكلفك شيء ولا يضيع وقت... وما أكثر الأشياء البسيطة التي يمكننا عملها، ويكون لها عظيم التأثير في المجتمع الإسلامي.

بالله عليك... فكر دائماً وأشغل نفسك بهذا... لا تعش لنفسك فقط، لا تعش لتتعلم وتعمل وتتزوج وتنجب ويكون لك بيت وسيارة وأبناء متعلمين أغنياء... لا ضير في أن تمتلك ذلك... ولكن لا تعيش وتمضي حياتك لأجل تلك الأشياء فقط...
اجعل هموم امتك في دقائق حياتك، واجعل ما يعلي شأنها في أولوياتك المتقدمة... ولا تنسى بأنك ستقف في يوم من الأيام القادمة بين يدي الخالق فيسألك عن واقع الأمة البائس، ما الذي فعلته لتغيره للأفضل...

وتذكر... ليس من أمة الإسلام من يقف متفرجاً على ما يجري، مكتفياً بالحزن اللحظي وذرف بعض الدموع عندما يشاهد مناظر القتل والدمار والتشريد التي تقشعر لها الأبدان، أو يشعر ببعض الأسى عندما يشاهد تأخرنا وتقدم غيرنا من الشعوب غير المسلمة، بينما تراه يعيش باقي أوقات حياته وكأن شيئاً لم يكن... فتجده لا يشعر بمصائب الأمة إلا إذا أصبحت في عقر داره، فينطلق حينها صارخاً قائلاً: أين العرب؟ أين أمة الإسلام؟ كما يتكرر من مشاهد في كل يوم حيث تبقى الأمة نائمة ولا تستيقظ إلا عندما يلسعها لهيب النيران، وضرب السياط.

ويدمي قلبي أكثر أن أجد منا من يرفض متابعة أخبار العالم الإسلامي وما يحل به من مصائب بحجة أن قلبه ضعيف لا يحتمل تلك القسوة، فيحجب نفسه عنها ويعيش حياته بشكل عادي جداً متناسياً أن النار التي تحرق محيط الدائرة لا بد وأن تمتد إلى داخلها...
وقبل أن أغادركم أقول: ليفكر كل منا بما يستطيع تقديمه للأمه، وكونوا على ثقة أنكم تملكون الكثير... فقط الأمر بحاجة لهمة وعزم.


د. زهرة خدرج