السبت، 17 يناير 2015

بين يدي رجل



بين يدي رجل

كانت محط أحلامه منذ صغره... منذ بدأ يعي ما يدور حوله... منذ أدرك ماذا يعني وطن... وماذا تعني فلسطين... كانت تزوره في خياله... تداعب ناظريه وقلبه ولكنها سرعان ما تختفي بسرعة البرق... ما أروعها... ما أطيب رائحتها... يخفق قلبه بشدة بمجرد أن يتذكرها... كم تمنى لو تصبح بين يديه... لو يمتلكها... يلمسها... ينتشق عبيرها... ويضغط على زنادها فينطلق صوتها الأبي مزغرداً في سماء الكون... 

لم يكن الحصول عليها مجرد أماني تسبح في خياله وهو مستلقٍ على الأرض في ظل شجرة البرتقال... بل حلم تحول إلى مولد للطاقة والجهد، يعمل لساعات طويلة في قطف البرتقال في موسم القطاف، وبالعناية بالأشجار في بقية أوقات العام بأجر زهيد، ليجمع بعض المال، فينفق بعضه، ويوفر ما تبقى مهراً ليتسنى له أن يتقدم لخطبتها...

واكتمل المهر... وتمت الصفقة... وها هي ذا في بيته بين يديه... لا يكاد يصدق نفسه... تلمسها ليتأكد أن وجودها بين يديه حقيقة وليس حلماً... ما أنعم وجهها البارد!

وجودها معه قلب حياته رأساً على عقب، فقد أهمل عمله، حيث أخذ يغيب لساعات طويلة كل يوم في منطقة أحراش نائية، يتدرب على استعمالها وإصابة الهدف فيها، إعداداً للمرحلة القادمة والخطة الحاسمة التي سيثأر فيها لفلسطين، ووالده الشهيد، وأخيه الأسير، وأرضهم المصادرة، وأمه التي قضت قهراً وحزناً، فلم يتبق له أحد من أسرته يؤنس وحدته... إذن ليس ثأراً واحداً وإنما خمس... 

بعد الليلة الأولى التي قضتها في بيته وآنست وحدته، لم يعد يستطيع اصطحابها لتعود معه في نهاية كل نهار... فالخطر بها محدق... فالعيون كثيرة ترقب كل شاردة وواردة... ولحرصه عليها... أنشأ لها مكمناً تختبئ فيه حتى عودته إليها... 

خلال ذهابه وإيابه كان يرقب المستوطنة التي تجثو كالقبر على أراضي القرية، وتمتد كالسرطان الخبيث بسرعة كبيرة. ويرسم خطط وسيناريوهات مختلفة لعملية جهادية فردية يقوم بها، ويشعر أنها باتت محور حياته... انتظر فترة طويلة حتى اجتمعت كل الظروف المناسبة للتنفيذ، وعلى رأسها وجود حبيبة قلبه تشاركه بطولته... تنجو معه إن نجا... وتستشهد إلى جانبه إن كتب الله له الشهادة...
حانت ساعة الصفر لبدء تنفيذ الخطة... انطلق إلى مكمنها مع بزوغ خيوط الفجر الأولى... صلى الفجر وهو يعتليها على كتفه... وانطلق داعياً الله أن يوفقه ويسدد رميه... اجتاز بفضل الله حواجز عدة بنجاح، بعضها مكهرب... وبعضها شائك حتى تمكن من الوصول إلى الهدف المنشود... قفز داخل السور... وتسلل إلى شرفة المنزل وفتح قفلها بطريقة تدرب عليها جيداً في أوقات مضت دون أن يحدث أي صوت يثير الشبهات...كان من في البيت يغطون بنوم عميق بعد أن رقصوا وسكروا في الليلة الماضية حتى ساعة متأخرة، كعادتهم ليلة السبت... 

ربما تتساءلون: هل اختياره للمنزل كان محض صدفة أم أنه كان عملاً مدروساً؟ وإذا كان مدروساً لماذا هذا المنزل تحديداً؟
اختار هذا المنزل تحديداً دون غيره لأن ساكنه ضابط شرس في جيش الاحتلال عُرف عنه عداؤه الشديد للفلسطينيين أصحاب الأراضي المصادرة فكان لا يكف عن إيذائهم والتضييق عليهم، أما زوجته فقد كانت مجندة بذيئة اللسان عدوانية جداً لطالما آذت أهل قريته خلال قطفهم لأشجار الزيتون التي تقع بالقرب من المستوطنة.

أصبح بعد لحظات في وسط المنزل، توجه لغرفة النوم التي كان بابها مغلقاً... فكر بأن يفتح الباب ويدخل إليهما، ولكن ربما يستيقظان ويطلقا النار عليه فيقتلانه دون أن يحقق هدفاً، ولكنه عدل عن هذه الفكرة، فتناول عبوة زجاجية كبيرة الحجم كانت بالقرب منه... قذف بها على الأرض، فتناثرت قطعها محدثةً دوياً عالياً، وفي نفس اللحظة أخفى نفسه وراء عمود في وسط البيت... هب الضابط فزعاً إلى خارج غرفة نومه، ليستطلع الأمر ومسدسه بيده، فأطلق مجاهدنا النار عليه مصوباً إلى رأسه، فأرداه قتيلاً، فما كان من زوجته إلا أن أطلقت وابلاً من الرصاص تجاه مجاهدنا فأصابته إصابات متعددة في أنحاء مختلفة من جسمه... وقبل أن يقع أرضاً تمكن من إطلاق رصاصة أصابتها إصابة بالغة قتلتها بعد أيام... وارتقى هو شهيداً إلى ربه... وسقطت حبيبته إلى جواره أرضاً... بعد أن غطتها دماؤه النازفة.


د. زهرة وهيب خدرج

السبت، 3 يناير 2015

أمةٌ تقرأ... أمةٌ ترقى



بسم الله الرحمن الرحيم

أمةٌ تقرأ... أمةٌ ترقى



أول أمر إلهي نزل على أمة الإسلام، هو الأمر بالقراءة الذي حمله الوحي جبريل من رب العزة إلى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم قائلاً: اقرأ... فيرد عليه محمد (الذي لا يعرف عن النبوة شيء بعد): ما أنا بقارئ، فيعيد جبريل الأمر مرة أخرى ويتكرر الجواب من النبي صلى الله عليه وسلم، ثلاث مرات، ثم يبدأ جبريل بعد ذلك بتلاوة أول آيات الله التي تتنزل على محمد صلى الله عليه وسلم: )اقرأ باسم ربك الذي خلق... [فتكون أول آيات كتابنا هي الأمر بالتعلم والقراءة.

ولكن ما حدث في وقتنا هذا هو أننا هجرنا القراءة في هذا العصر المريض بجنون السرعة... حتى أنك أصبحت ترى بيوتاً فارهة، تحتوي على الكثير من قطع الأثاث والتحف الثمينة ولا تكاد تجد مكتبة أو حتى كتاباً يُقرأ، وأصبحنا نحضر الهدايا المختلفة من ألعاب وأجهزة لأبنائها ولا تجد بينها كتاباً ورقياً يتصفحه، وكأن تنمية إبداع وذكاء الأبناء اقتصرا على الألعاب التي تعج بها الأجهزة الحديثة... فغدت أمةُ اقرأ لا تقرأ... وإن قرأَت فللحصول على ثقافة سريعة وعابرة ومصبوغة بجميع الألوان لخدمة هدف آنيٍ لا أكثر حتى إذا اضطر للدخول في نقاش ما، أسعفته بعض المعلومات العائمة (لقلتها وخفتها) من الإحراج بين الناس، فلا يبدو عديم الثقافة بينهم. 

بتنا نرغب في المعلومة السهلة السريعة القصيرة، التي تأتينا عبر الفضائيات أو الصحف والمجلات، وأفضلها تلك التي نقرأها في الفيس بوك أو التويتر على عجل والتي تفتقد للمصداقية والتوثيق في أحيانٍ كثيرة... وإن قرأنا كتباً فترانا نقرأ في فن الطبخ، وتفسير الأحلام، وروايات الغرام والمغامرات، والسحر والجن... فنحن لم نعد نقرأ التاريخ لنقارنه بواقعنا علنا نستخلص منه العبر، فنعرف الصديق من العدو، حتى لا نكرر أخطاء الماضي، وليصبح لدينا أرضية صلبة نرتكز عليها في فهمنا للحاضر... ولا نقرأ أيضاً العلوم والسياسة والجغرافيا وغيرها... فلا إمكانيات لدينا للقراءة، فالوقت على القراءة يضيق... والمال على شراء الكتب يقل... والعيون على قراءة الكتب تضعف ولا تستطيع المتابعة... 
 
ولنتذكر... إننا بالقراءة والعلم والاطلاع نرقى ونعيد حضارتنا ورفعتنا... فإكساب الجيل الجديد عادة القراءة هو مسؤوليتنا نحن الكبار... الأم، والأب، والمعلم، بل والمجتمع أجمع... فعندما يعتاد الصغار على رؤية الكتاب بين يدي الأهل في البيت، والمعلم في المكتبة، ونشجعهم على حمل الكتاب وتصفحه والنظر فيه منذ صغرهم... حتى وإن لم يعرفوا القراءة بعد... ترى هذا الجيل قد شب وهو يقدِّر الكتاب، ويراه جزءً مهماً من حياته فلا يستطيع الاستغناء عنه، كما يقدر التلفاز والحاسوب و"الآي باد" ولا يستطيع الاستغناء عنها... فإن لم يتعلم هذا الصغير عادة القراءة منذ صغره...من أين له أن يعرف طريق العلم من بداية حياته... ومن أين له إذن أن يبصر العالم من حوله؟ فيسافر عبر الزمن الماضي، ويرى الجنة ويشاهد ملائكتها، ويعبر بقاع الأرض بمختلف تضاريسها ومخلوقاتها فيرى جمالها ويتذوق ثمارها... ويقابل العظماء والعلماء والأدباء... فيسمع منهم ويستقي من أخلاقهم وعلومهم وأفكارهم، ويتذوق عذب شعرهم وأدبهم ويتعلم من خبرتهم... 

أخي، أختي لا تكونوا كحامل الشهادة الأمي... لأن الأمي ليس هو من لا يعرف القراءة والكتابة وإنما الأمي من لا يعرف سوى كتب المنهاج المقرر في التخصص الذي درسه... اقرأوا واطلعوا واحملوا كتبكم معكم واقرأوها أينما ذهبتم، مثلما تحملون جهاز الجوال وبعض الطعام.

القراءة تتيح لنا ما لا يتحه غيرها... وإن لم نكن نحن أبناء شريعة "اقرأ" القدوة... فمن يا تُرى يصلح لأن يكون؟؟

الدكتورة زهرة وهيب خدرج

الجمعة، 2 يناير 2015

البقاء المقدس



البقاء المقدس

أحب أرضه وأحب الحياة فيها، ولكنه أحب كرامته وعزته أكثر... فحكاية العشق هذه بدأت منذ القِدم... منذ قَدِمَ الجد كنعان هنا... إلى هذه الأرض وستستمر الحكاية إلى ما شاء الله لأننا– نحن الفلسطينيون- نورث عشق الكرامة والعزة لأبنائنا كما نورث الأرض... فالويل ثم الويل لمن يمس بعزتنا وكرامتنا".

منذ البداية، أبصرت عيناه بيارات البرتقال... وامتلأت رئتاه بشذى زهورها في وقت الإزهار وثمارها في باقي العام...فلكل فترة من الوقت رائحتها الخاصة التي تعطرها بعطر البرتقال... وتجذرت في ذاكرته صورة الأرض التي تحمل على وجهها الأشجار المثقلة بالثمار... فأصبحت الأرض والأشجار جزء لا يتجزأ منه. حتى عندما كان يلهو في صغره... كان يجمع بعض الأزهار الصفراء البرية التي تنبت بين أشجار البرتقال والتي لم يكن يعرف لها اسماً ويصنع منها عقداً يضعه في عنق أمه... أو يعلقه على أحدى الأشجار العزيزة على قلبه.

منذ سنوات طفولته الأولى بدأ يرافق أفراد الأسرة لجني ثمار البرتقال في موسم القطاف الذي كان يبدأ من منتصف شهر تشرين الثاني وينتهي في نهاية شهر شباط.. بنى والده " سقيفة" في الأرض ليضعوا فيها مؤونتهم من الطعام والماء خلال موسم القطاف، بالإضافة لبعض الحاجيات الأخرى، كان مفتاحها كبيراً جداً يستعصي على الحمل داخل جيب الحزام الجلدي الذي كان يضعه والده على خصره فوق القنباز... 

شب جدي وشب معه عشق الأرض... فعلى الرغم من عمله في تطويع الحديد وتشكيله، إلا أنه بقي يعمل في الأرض ويجني ثمار البرتقال في موسم القطاف بنفسه، ويرفض استقدام عمال ليقوموا بهذه المهمة، فالأرض جزء منه... وفي ظُهر ذات يوم قائظ الحر من أيام شهر أيلول (على عكس عادة أيام ذلك الشهر المعتدل الحرارة)، جاء صارخ يصرخ بأن" لحقوا أرضكم، اليهود كسروا باب السقيفة ووضعوا أسلاك شائكة على كل الأراضي الواقعة في المنطقة الغربية، أرضكم راحت"... تناول جدي بارودته وامتطى حماره وخرج مسرعاً...لحقت أخواته به خوفاً عليه وعلى الأرض... وجد جدي الأسلاك الشائكة موجودة فعلاً وباب السقيفة مكسور وبعض أشجار البرتقال مكسرة الأغصان.

أصلح باب السقيفة وقطع الأسلاك الموجودة وأزالها من الطريق... وقضى ثلاثة أيام بلياليها يحرس الأرض عساه يتعثر بمن داس أرضه ودنسها... أما اخته الكبرى فقد أحكمت قفل باب السقيفة بعد أن رتبت المكان ونظفته استعداداً لموسم القطاف الذي سيهل قريباً... وأعادت المفتاح معها إلى حيث يُحتفظ به.

ولكن لم يكن هناك موسم قطاف في ذلك العام، ليس لأن أشجار البرتقال قد عقمت فلم تعد تستطيع حمل الثمار، ولكن لأن الأرض قد صودرت... فقد أحاطت جماعات يهودية دخيلة مدججة بأسلحة حديثة، مساحات كبيرة من المنطقة الغربية بأسلاك شائكة ووضعوا نقاط مراقبة وحرس قناصون يطلقون النار دون أي تردد على أي شخص يقترب من الأسلاك... ووصلت أخبار كثيرة عن نساء اغتصابهن عندما وجدوهن يعملن في أراضيهن.

عَلِمَ جدي في ذلك الوقت أن هناك تحولاً خطيراً قد حدث في حياته، بل في حياتهم جميعاً، ومن دون أي مبررات أو تفسير... فبين عشية وضحاها لم تعد الأرض إرث الأجداد مُلكاً لهم كما اعتادوا دائماً... ما زاد الوضع قسوة وسوء أن الحكومة البريطانية شددت بحثها عن السلاح وزادت من حملات التفتيش والمداهمات التي تقوم بها... ومن ضبطت عنده بندقية أعدمته وفي أحسن الأحوال سجنته لفترات طويلة...

أدرك حينها أن الحياة الوادعة الآمنة التي كان يعيشها ما بين المِحدَدَة والأرض والبيت قد ولى عهدها... فهناك واجب مقدس يدعوه...
أخذ جدي "الحاج المجاهد عبد الفتاح خدرج" يجمع شباب البلد ويحضر لهم السلاح ويضع وإياهم الخطط ويحاربون المحتل الذي بدأ يغتصب الأرض والعرض بكل ما لديهم من إمكانيات بسيطة... كان يعمل حداداً في النهار لكسب قوت عائلته... مجاهداً في الليل لكسب رضا ربه... وفي معظم الأيام كان يعود إلى بيته مع بداية بزوغ خيوط الفجر الأولى... فيركع ويسجد ويرفع يديه إلى السماء طالباً من الله الشهادة في سبيله بصوت متقطع من شدة البكاء.

صنع من الحديد بعض قطع السلاح التي أثبتت فعاليتها في مقاومة المحتل... وهناك من أخبرني من كبار السن بأنه هو أول من صنع دبابة في المنطقة استخدمها المجاهدون في معاركهم مع اليهود. لهذا كان مطلوباً لهم حياً أو ميتاً.

وقبل احتلال اليهود لفلسطين عام 1948 بعام واحد في إحدى المناطق التي تقع في الشمال الغربي لمدينة قلقيلية تسمى " كوفيش" نشبت معركة حامية بين المجاهدين واليهود، قاتل جدي ومن معه ببسالة وإيمان بالله... استشهد جميع رفاق جدي... وبقي هو يقاتل حتى نفذت الذخيرة التي يحملها دون أن تأتي أي نجدة... وعندما أدرك أن الشهادة قد اقتربت منه... كبر وحمد الله بصوت مجلجل وكسر سلاحه حتى لا يستخدمه اليهود لقتل مسلم به... واخترقت رصاصة مقدمة جبينه لتسرع به إلى جوار ربه... ويحتجزوا جثته لعدة أيام قبل أن يتدخل كبار البلد ويستعيدوها لتدفن...

ولا زالت هذه القصة تتكرر بمسميات مختلفة للأماكن والأشخاص والتوقيت ولكن الحدث واحد في جميع الحالات... صحيح أن مساحة الأرض قد تآكلت، بل لنقل في تآكل مستمر... وصحيح أن هناك من وقع صكوك ملكيتها باسمهم... ولكن هذه الأرض الحبيبة ملك لكل فلسطيني وعربي ومسلم... فدماء أجدادنا ودمائنا ودماء أبنائنا التي روتها ولا زالت هي أمانة في أعناقنا حتى وإن تنازل البعض منا... فنحن هناك باقون... متشبثون بثراها وكرامتنا... 

د. زهرة وهيب عبد الفتاح خدرج

الخميس، 1 يناير 2015

هل يمكن للظلم أن يدوم؟؟؟؟



هل يمكن للظلم أن يدوم؟؟؟؟

انظروا حولكم... ما أكثر الظلم! ما أبشعه! وما أكثر أهله- من خلال الجانبين؛ الضحايا والظالمين!! فهو يؤذي الكثيرين... يؤلمهم يقتل آمالهم وأحلامهم... وفي الكثير من الحالات يجهض أرواحهم... نرفع أيدينا إلى السماء وننادي رب العدل: يا الله خفف عنا... أنصفنا... 

هو يسمعنا... ويجيبنا ولكن حينما يحين الوقت... ولكننا عجولين، نحب أن يتغير كل شيء في لحظات... نطلب أن نُجاب بسرعة، بمجرد أن ننادي... ولكن هذه ليست سنة الله... فلكل شيء زمان مكتوب. 

حسناً... ما المطلوب منا الآن وسط هذا الظلم الذي عم الآفاق وغيَّر النفوس؟ المطلوب هو الصبر!! الصبر والثبات على الحق... فكلما زادت الصعاب وتآزرت المصائب اقترب النصر... فأشد ساعات الليل ظلمة هي الساعة الأخيرة التي تسبق بزوغ الفجر...
ألم يقل رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم" سيأتي زمان على الناس يكون القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر"؟ لماذا يا سيد الخلق والمرسلين؟ لماذا يجب أن نقبض على الجمر لنكون من أهل الحق؟ لماذا هذا الأذى والعذاب؟ ألا يُجدي أن نكون من أهل الحق دون ذلك؟ 

لكي تقول عن نفسك إنك من أهل الحق لا بد وأن تمتحن فتنجح في الامتحان... فإن نجحت فأنت منهم وإن رسبت فأنت من الطرف الآخر... ففي وقت الراحة والأمن الجميع يعتبر نفسه من الصنف الأول... ولكن الاختبارات الصعبة هي التي تكشف الحقيقة من الزيف.

فالجمر في هذه الأوقات العصيبة هو الظلم بأشكاله شديدة التنوع والاختلاف... فأن تكون ثابتاً على الحق مُتَحَمِلاً الأذى في سبيله -عسى الله يرضى عنك- ستُحرق بالجمر... وستكتوي بنار الظلم... ستُحرم من الكثير من الأشياء التي لا بد منها لتشعر أنك إنسان له طموح وآمال... فأحلامك مصادرة... وطموحاتك سجينة... ورغبتك في تحقيق ذاتك من المحرمات!! أرجوك لا تشعر باليأس فكثيرين غيرك محرومين من كل شيء حتى الأشياء الأساسية في الحياة، والتي لا يمكن العيش من دونها؛ كالبيت الذي يأويهم، والأسرة التي تضمهم، والدخل الثابت الذي يسد رمقهم ويلبي احتياجاتهم، إذن أنت أفضل حالاً منهم... 

لا تتحسر على الظلم الذي يحيط بك... بل قاومه... لا تقف ساهماً سلبياً... بل تحرك وانفض الغبار عنك... بادر للعمل... طور نفسك... ضع الأهداف التي تريد تحقيقها في حياتك، لا تنتظر وظيفة أو رأس مال... اعمل بما يتوفر بين يديك مهما كان... لا تلقي اللوم على الظروف أو الآخرين. 

وكلما وجدت طريقاً مسدوداً غيِّر الطريق وجِد مسلكاً جديداً تستطيع المرور منه... وإن سُدت كل الدروب افتح ثغرة في إحداها... فأنت لست شخصاً عادياً... لأنك مسلم ولديك الكثير الذي تستطيع تقديمه... 

تسلح بالإرادة الصلبة والإيمان بالله... وذكر نفسك دائماً أن الله معك... لأنك تعيش من أجله... وتموت من أجل رضاه... ارفع يدك وقل يا الله... اطلب منه ما تريد... فهو معك.. يسمعك ويستحي أن يردك خائباً.. اشحن معنوياتك دائماً بتذكرك لهدفك الرائع الذي ينتظرك هناك في نهاية الطريق... حينها ستهون الصعاب... ويتضاءل الظلم... وانظر إلى الخطوات العظيمة التي خطوتها إلى الأمام لا تستهين بها، فهي التي باتت تقربك من هدفك... 

اكتب ورقة وعلقها في مكان تستطيع رؤيتها باستمرار... تحدث فيها عن نفسك كيف كنت عند بداية الطريق... وأين وصلت بعد شهر وبعد عدة أشهر وبعد سنة وبعد عدة سنوات... ولاحظ الفرق... فأنت تتقدم إلى الأمام وتقدم للآخرين مما أنعم الله عليك من القدرات التي تختلف كثيراً باختلاف الأشخاص...

وحتى نلتقي في المقال القادم بإذن الله... لا تستسلم للظلم... حدد أهدافك... وابدأ بكتابة ورقتك... وانطلق للعمل... فهناك الكثير بانتظارك...

د. زهرة وهيب خدرج