"عش وقتك ولا تستعجل المستقبل"
عبارات تتردد على ألسنتنا طوال الوقت؛ عندما أكبر، عندما
أنتهي من عمل كذا، عندما يسافر أخي، عندما أتزوج، عندما أنجب... الخ وعادة ما تليها
عبارة... سأفعل كذا وكذا. نردد هذه العبارات ليس من باب التخطيط في الغالب، وإنما
من باب استعجال مرور اللحظة الحالية ليأتي المستقبل... عساه يحمل بين ثناياه أوقات
أفضل مما نحن فيه في اللحظة الحالية... أضف إلى ذلك تمنينا لزوال الشيء الذي يسبب
لنا الضغط النفسي أو الألم في اللحظة الحالية واستعجالنا للحصول على السعادة في
النهاية... ولا ننسى أنه لا يمكننا الحصول على النجاح وما يرافقه من شعور السعادة
ولذة الانتصار من دون المرور في محطات من التحدي والألم والصبر، وإلا لكان النجاح
والسعادة في متناول الجميع. "في العام الدراسي المنصرم كانت ابنتي في
الثانوية العامة... فعندما اشتدت عليها أعباء الدراسة، قالت لي ولأكثر من مرة:
أتمنى قدوم اللحظة التي أنتهي فيها من المدرسة وهمومها بسرعة، ما أجمل أن تصبح
كبيراً وتنهي مدرستك! وكنت في كل مرة أجيبها على قولها: ستنهين مدرستك شئت أم أبيت
وستتذكرين هذه الأيام وستتمنين عودتها... وحينها لن يتاح لك ذلك... فعيشي لحظاتك
الحالية بحلوها ومُرها... ابحثي عن الأشياء الجميلة وسط الألم والمعاناة...
وستجدين السعادة والنجاح بانتظارك في نهاية الطريق".
ما أقوله دائماً هو:" عش اللحظة كما هي بجميع
حسناتها وسيئاتها"... لا تتعجل زوالها... فبغض النظر إن كنت راغباً بزوالها
أو متمنياً استمرارها... ستمضي في سبيلها على كل حال ولن تنتظر رغبتك ومشورتك...
لأن هذا قدر الله وسنته. الوقت سيمضي غصباً عنك... وما أعمارنا إلا لحظات وثواني
تجر بعضها بعضاً... ونفاجأ بانتهائه دون أن نحضر أنفسنا بشكل كافٍ لهذه النهاية.
جميعنا نكره اللحظات المؤلمة والتجارب التي نصمها
بالسيئة... ولكن؛ هل كل لحظة مؤلمة وتجربة سيئة نخوضها هي شر؟ أليس الكثير من
الألم وما نسميه "بالسوء" يحمل في طياته الكثير من الخير؟ وكيف لنا أن
نتعلم وأن نكتسب الخبرات في حياتنا من دون تجارب نخوضها وتسبب لنا المعاناة
والألم؟ وماذا لو كانت الحياة كلها سعادة وسرور... هل سيبقى للسعادة طعم ولذة؟ أم أن
الاعتياد والسأم سيفقدها طعمها اللذيذ؟
لنأخذ مثلاً العدوان الظالم على غزة؛ عدوانٌ مدمر... قتل
وجرح وأباد وشرد ويَتَمَ الكثيرين... نمقته ونصفه غالباً بالشر والسوء... لا يختلف
اثنان في أنه ظالم... ولكن هل هو حقاً شر؟ لنسأل أنفسنا سؤالاً؛ هل يمكن ان يأتي
النصر من دون حرب وشهداء؟ وكيف يمكننا إخافة الأعداء ووضع حدٍ لعدوانهم وتعديهم
على كرامتنا وحقوقنا من دون قتال ودماء؟ إذن أصبح ما نعتبره شر يحمل الكثير من
الخير في جنباته!! فقط حين نغير زاوية النظر!
تذكر... لا تستعجل انتهاء اللحظة التي تعيشها لأنها تعج
بما يؤلمك... إنما ابحث على الجوانب المشرقة فيها، فليس كل شيء مؤلم خال من المتعة
أو خال من كل ما هو طيب وجميل... حبَّة الصبر... تكسوها الأشواك من الخارج إذا
حاولت لمسها بثت أشواكها في يديك وآلمتك... ولكن داخلها لبٌ حلو طري غنيٌ بالمواد
التي يحتاجها جسمك... إذن هي ليست سيئة وليست شرٌ كما نعتقد، إنما هي خير اكتسى
ببعض الشر.
الوقت أثمن ما نملك... لأنه هو حياتنا فما هذه اللحظات
والثواني والدقائق إلا مكونات عمرنا... وما مضى منها لن يعود أبداً مهما دفعنا أو
فعلنا... فأرجوك أرجوك لا تردد عبارات مثل أنا فقط أحاول قتل الوقت... هذا وقت
فراغ أتخلص منه بالتلفاز أو الفيس بوك...الخ... ولا تحاول أن تقنع نفسك بهذه
الأفكار، بل ذكر نفسك دائماً بأن ما تحاول قتله والتخلص منه هو أيام حياتك التي إن
مضت لا تعود... فاستثمر وقتك بالأشياء المفيدة لك وللمجتمع... ابحث عن ما يُرضي
الله وافعله بحماسة، وصمم على إنجازه... فأنت مختلف عن أي أحد آخر فلديك ما يميزك
عن غيرك... لأنك مسلم...
في حياتنا الكثير من الأشياء المهمة والجميلة التي تنتظر
من يقوم بها وينهيها... والتي تحتاج لوقتك وجهدك... فإن كنت تؤمن أنك تحمل رسالة
وأمانة وأنك يجب أن تؤدي أمانتك... فاعلم أنك لا زلت حي وفاعل مهما بلغ بك
العمر... وفي اللحظة التي تؤمن بها بأنك قد انهيت ما عليك ولم يعد لديك ما تفعل...
فاعلم بأن الموت قد بدأ يتسرب إليك...
لا تقل لا يوجد شيء أفعله... بلى يوجد الكثير... فقط انظر
من زاوية أخرى إلى ما حولك... وسترى أشياء جديدة كانت قد اختفت عن ناظريك...
ازرع زيتونة أينما حللت... وسيطرح الزيتون ثمراً بعد
مرور الوقت وسيصلك أجره من الله أينما كنت ومهما كان حالك... ازرع ياسمينة في كل
بقعة أرض تعطر بشذاها الهواء فتبث السعادة في نفس مسنٍ مريضٍ أو طفلٍ يتيم أو
أرملةٍ حزينة... بُث الأمل في نفوس من تتعامل معهم وتقابلهم، شجعهم وادعمهم نفسياً
وذكرهم بالله الذي لا يضل عنده شيء أبداً... أشعل شموع وأضيء الطريق لمن سيمضي في
دربك من بعدك. اترك بصماتك المضيئة التي لا تمحوها الأيام والسنين... أينما حللت
وارتحلت... وتذكر أن الله لا ينسى ما يفعل كلٌ منا!!!
د. زهرة وهيب خدرج