الاثنين، 16 نوفمبر 2015

"عش وقتك ولا تستعجل المستقبل"

"عش وقتك ولا تستعجل المستقبل"

عبارات تتردد على ألسنتنا طوال الوقت؛ عندما أكبر، عندما أنتهي من عمل كذا، عندما يسافر أخي، عندما أتزوج، عندما أنجب... الخ وعادة ما تليها عبارة... سأفعل كذا وكذا. نردد هذه العبارات ليس من باب التخطيط في الغالب، وإنما من باب استعجال مرور اللحظة الحالية ليأتي المستقبل... عساه يحمل بين ثناياه أوقات أفضل مما نحن فيه في اللحظة الحالية... أضف إلى ذلك تمنينا لزوال الشيء الذي يسبب لنا الضغط النفسي أو الألم في اللحظة الحالية واستعجالنا للحصول على السعادة في النهاية... ولا ننسى أنه لا يمكننا الحصول على النجاح وما يرافقه من شعور السعادة ولذة الانتصار من دون المرور في محطات من التحدي والألم والصبر، وإلا لكان النجاح والسعادة في متناول الجميع. "في العام الدراسي المنصرم كانت ابنتي في الثانوية العامة... فعندما اشتدت عليها أعباء الدراسة، قالت لي ولأكثر من مرة: أتمنى قدوم اللحظة التي أنتهي فيها من المدرسة وهمومها بسرعة، ما أجمل أن تصبح كبيراً وتنهي مدرستك! وكنت في كل مرة أجيبها على قولها: ستنهين مدرستك شئت أم أبيت وستتذكرين هذه الأيام وستتمنين عودتها... وحينها لن يتاح لك ذلك... فعيشي لحظاتك الحالية بحلوها ومُرها... ابحثي عن الأشياء الجميلة وسط الألم والمعاناة... وستجدين السعادة والنجاح بانتظارك في نهاية الطريق".
ما أقوله دائماً هو:" عش اللحظة كما هي بجميع حسناتها وسيئاتها"... لا تتعجل زوالها... فبغض النظر إن كنت راغباً بزوالها أو متمنياً استمرارها... ستمضي في سبيلها على كل حال ولن تنتظر رغبتك ومشورتك... لأن هذا قدر الله وسنته. الوقت سيمضي غصباً عنك... وما أعمارنا إلا لحظات وثواني تجر بعضها بعضاً... ونفاجأ بانتهائه دون أن نحضر أنفسنا بشكل كافٍ لهذه النهاية.
جميعنا نكره اللحظات المؤلمة والتجارب التي نصمها بالسيئة... ولكن؛ هل كل لحظة مؤلمة وتجربة سيئة نخوضها هي شر؟ أليس الكثير من الألم وما نسميه "بالسوء" يحمل في طياته الكثير من الخير؟ وكيف لنا أن نتعلم وأن نكتسب الخبرات في حياتنا من دون تجارب نخوضها وتسبب لنا المعاناة والألم؟ وماذا لو كانت الحياة كلها سعادة وسرور... هل سيبقى للسعادة طعم ولذة؟ أم أن الاعتياد والسأم سيفقدها طعمها اللذيذ؟
لنأخذ مثلاً العدوان الظالم على غزة؛ عدوانٌ مدمر... قتل وجرح وأباد وشرد ويَتَمَ الكثيرين... نمقته ونصفه غالباً بالشر والسوء... لا يختلف اثنان في أنه ظالم... ولكن هل هو حقاً شر؟ لنسأل أنفسنا سؤالاً؛ هل يمكن ان يأتي النصر من دون حرب وشهداء؟ وكيف يمكننا إخافة الأعداء ووضع حدٍ لعدوانهم وتعديهم على كرامتنا وحقوقنا من دون قتال ودماء؟ إذن أصبح ما نعتبره شر يحمل الكثير من الخير في جنباته!! فقط حين نغير زاوية النظر!
تذكر... لا تستعجل انتهاء اللحظة التي تعيشها لأنها تعج بما يؤلمك... إنما ابحث على الجوانب المشرقة فيها، فليس كل شيء مؤلم خال من المتعة أو خال من كل ما هو طيب وجميل... حبَّة الصبر... تكسوها الأشواك من الخارج إذا حاولت لمسها بثت أشواكها في يديك وآلمتك... ولكن داخلها لبٌ حلو طري غنيٌ بالمواد التي يحتاجها جسمك... إذن هي ليست سيئة وليست شرٌ كما نعتقد، إنما هي خير اكتسى ببعض الشر.
الوقت أثمن ما نملك... لأنه هو حياتنا فما هذه اللحظات والثواني والدقائق إلا مكونات عمرنا... وما مضى منها لن يعود أبداً مهما دفعنا أو فعلنا... فأرجوك أرجوك لا تردد عبارات مثل أنا فقط أحاول قتل الوقت... هذا وقت فراغ أتخلص منه بالتلفاز أو الفيس بوك...الخ... ولا تحاول أن تقنع نفسك بهذه الأفكار، بل ذكر نفسك دائماً بأن ما تحاول قتله والتخلص منه هو أيام حياتك التي إن مضت لا تعود... فاستثمر وقتك بالأشياء المفيدة لك وللمجتمع... ابحث عن ما يُرضي الله وافعله بحماسة، وصمم على إنجازه... فأنت مختلف عن أي أحد آخر فلديك ما يميزك عن غيرك... لأنك مسلم...
في حياتنا الكثير من الأشياء المهمة والجميلة التي تنتظر من يقوم بها وينهيها... والتي تحتاج لوقتك وجهدك... فإن كنت تؤمن أنك تحمل رسالة وأمانة وأنك يجب أن تؤدي أمانتك... فاعلم أنك لا زلت حي وفاعل مهما بلغ بك العمر... وفي اللحظة التي تؤمن بها بأنك قد انهيت ما عليك ولم يعد لديك ما تفعل... فاعلم بأن الموت قد بدأ يتسرب إليك...
لا تقل لا يوجد شيء أفعله... بلى يوجد الكثير... فقط انظر من زاوية أخرى إلى ما حولك... وسترى أشياء جديدة كانت قد اختفت عن ناظريك...
ازرع زيتونة أينما حللت... وسيطرح الزيتون ثمراً بعد مرور الوقت وسيصلك أجره من الله أينما كنت ومهما كان حالك... ازرع ياسمينة في كل بقعة أرض تعطر بشذاها الهواء فتبث السعادة في نفس مسنٍ مريضٍ أو طفلٍ يتيم أو أرملةٍ حزينة... بُث الأمل في نفوس من تتعامل معهم وتقابلهم، شجعهم وادعمهم نفسياً وذكرهم بالله الذي لا يضل عنده شيء أبداً... أشعل شموع وأضيء الطريق لمن سيمضي في دربك من بعدك. اترك بصماتك المضيئة التي لا تمحوها الأيام والسنين... أينما حللت وارتحلت... وتذكر أن الله لا ينسى ما يفعل كلٌ منا!!!

د. زهرة وهيب خدرج


انتفض واخرج من أعماقك

انتفض واخرج من أعماقك
الكثير من الحدود والمعيقات غير موجودة على أرض الواقع، إنما نفرضها نحن حول أنفسنا في أعماقنا، فنتذرع بها لتبرير جمودنا في مكاننا وعدم التقدم إلى الأمام، نفعل ذلك لأننا نخاف المجهول والأخطار المحتملة التي ربما يحملها في ثناياه، كما نخشى الفشل، فنفوسنا لا تحتمل السقوط أرضاً بعد أن بنينا لأنفسنا مكانة اجتماعية وعودنا أنفسنا على نمط مريح من الحياة، ليس هذا فقط وإنما ترانا لا نمتلك كمية كافية من الثقة بالنفس لنقوم ببعض التغيير في حياتنا لنصبح أفضل مما نحن عليه الآن، لهذه الأسباب جميعاً؛ ترانا نتسمر في مكاننا، ونرضى بما وصلنا له وما حققناه، ونقنع أنفسنا بأننا وصلنا نهاية السلم... فآن لنا الأوان أن تستريح... وهناك سؤال يطرح نفسه هنا بقوة؛ وهل يوجد هناك راحة في هذه الأرض التي شقي نبي الله آدم عندما نزل إليها؟ أليس الخلود إلى الراحة هو بداية طريق الانحدار والهبوط والتراجع؟
لا تبادر إلى إقامة الحدود حول نفسك، فلا يوجد شيء ينقصك حتى تصبح أفضل, أقوى, أكثر ثراء وذكاء ومهارات, بل حتى أسرع أو أجمل، فستصبح عظيماً إذا كنت تريد أن تكون من العظماء، فعملت لذلك بكل قوتك، وستصبح قائداً إذا اردت ذلك وجندت له همتك وعقلك وإمكانياتك وهكذا دواليك. فأنت إنسان؛ حباك الله بالكثير من الإمكانيات التي تؤهلك لإعمار الأرض وتصدر المقدمة، فكل شيء موجود بالفعل بداخلك فقط عليك ان تبحث عنه في ثنايا نفسك وشخصيتك... الكثير الكثير من القدرات مدفونة داخلنا لا نعلم عنها شيئاً... نتمنى لو أننا نمتلها لنكون كأناس آخرين حازوا على إعجابنا لأنهم امتلكوها، ولا ندرك بعقلنا الواعي أنها موجودة داخلنا، وهي بحاجة فقط لأن ننفض الغبار عنها ونوقظها من سباتها العميق الذي تغرق فيه منذ سنوات طوال لأننا تركناها خاملة في مكانها فلم نزعجها...
ما عليك سوى أن تخلو بنفسك بعض الوقت، فتحدد ما تريد (أن تضع هدفاً تعيش من أجل تحقيقه)، ثم ترسم خطوطاً واضحة تحدد من خلالها آلية تحقيق ذلك الهدف، ثم تحشد همتك وطاقاتك وتنطلق بقوة... لتجعل ما كان يبدو حلماً بعيد المنال واقعاً ملموساً تشاهده بأم عينك.
تذكر... ستواجهك الكثير من التحديات... التي ستجدها عقبات تحول دون بلوغك مرامك... ولكن لا تستسلم... بل ثابر وتابع وتحمل وتحدى... لا تشفق على نفسك لأنك تعب مرهق لا تنام جيداً ولا تفعل الأشياء التي يفعلها جميع الناس العاديين والتي تحبها أنت أيضاً... ولكنك لست إنساناً عادياً إنما أنت من نوع خاص. ولا تقل يبدو أن ما أصبو إليه بات من المستحيلات... لا تعتقد بوجود شيء اسمه مستحيل... فالمستحيل موجود فقط في عقول من مسهم سحر الكسل والتخاذل وفقدان الإرادة...
وتذكر أيضاً... الطريق المؤدية إلى النجاح فيها الكثير من المطبات التي ستفقدك توازنك للحظات فربما تقع أرضاً... أرجوك... لا تتأثر! فالمطبات العشوائية من أهم التضاريس الطبيعية لطريق النجاح، التي لن تصل إلى القمة من دون أن تجتازها... لملم أجزائك واستعد توازنك وقف مرة أخرى، واستفد الدروس والعبر من هذه العثرات حتى تتجنب حدوثها لاحقاً... لا تقل أخشى السقوط مرة أخرى... ولكن قل لم أبلغ المكان الذي أطلبه بعد... فثابر وتحدى وتقدم بإصرار... فبلادك بحاجة لك ولقدراتك العظيمة ولنجاحك وتفوقك!
اشحن معنوياتك دائماً بالإيجابيات وأبداً لا تخبو، فأحلك الظروف والحالات تبطِّن داخلها خيراً ووريَ عن نواظرنا...
ولا تنسى... مكانك هناك في المقدمة لا زال شاغراً ينتظرك... أليس له جاذبية لذيذة وطعم خاص ومميز يشدك إليه...

د. زهرة وهيب خدرج


صلاة الفجر... مصنع الرجال العظماء

صلاة الفجر... مصنع الرجال العظماء
من منا لا يعرف الشيخ المجاهد الشهيد أحمد ياسين... الذي أقعدته إعاقته وضعف جسده ورفعته همته إلى العلياء؟؟ عزيمته وإرادته وإصراره... هذه الصفات التي تحلى بها جعلته يقض مضاجع المحتلين، فيحاصرونه تارة ويحبسونه تارة أخرى ويقتلوه في الأخيرة عندما اعتقدوا أنهم بذلك يتخلصون من تأثيره العظيم في الناس... وكأنهم بقتله يرتاحون من عظيم أفكاره، ولم يعلموا أنهم بقتله أضافوا نيشاناً جديداً على صدره... ولم يتمكنوا من انتزاعه من قلوب الناس الطاهرين المؤمنين.
فعلى الرغم من إعاقة الشيخ التي قد يجد الكثيرين بها سبباً للقعود في البيت وأداء الصلاة فيه، إلا أنه كان يصر على الخروج والصلاة في المسجد... فكتب الله له الشهادة خلال خروجه من صلاة الفجر، لتكون شاهداً تشهد له أمام الله، حينما يأتي يوم القيامة وقد أدى صلاته...
أن تصلي الفجر يعني أن تصحو وأنت في قمة نومك، وتقوم من فراشك الدافئ المريح، لتتوضأ وتصلى ركعات... صحيح أن تلك الركعات خير من الدنيا وما فيها... إلا أنها صعبة على النفس، فمن صلب الراحة تقوم على عجل، لأن النداء قد دعاك للخروج لتقف بين يدي الله...
صلاة الفجر.. مصنع الأبطال والمجاهدين والعظماء، هي ملتقى التقاة والصابرون والباحثون عن الرفعة والقبول والتوفيق، هي معهد لتعليم الرجولة والعظمة والتقدم... هي سر من أسرار النصر والتمكين... ولهذا سطر لنا التاريخ حكايات العظماء الذي استشهدوا في طريقهم إلى أو من صلاة الفجر... كأمثال عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب... رضي الله عنهما.
فكم منا نحن الآباء والأمهات نوقظ أبناءنا قبل أذان الفجر، ليتقربوا إلى ربهم بركعات عظيمات، يدعون الله للأمة ولأنفسهم ولأحبتهم؟ كم واحد منا يطلب من ابنه أن ينام مبكراً لأن هناك صلاة فجر بانتظاره، فإن تأخر في النوم فلن يكون نشطاً حين يستيقظ لأدائها؟ كم بيت من بيوتنا تراه مضاءً قبل أذان الفجر، ينطلق القرآن من جوفه ويتسابق أهله للوضوء والصلاة قبل فوات الوقت؟
أيُنصر المسجد الأقصى ونحن نتهاون بهذه الفريضة التي تغرس العزم وقوة البأس والصبر في النفوس، فنؤخرها مرة، وتفوتنا مرات؟ أيُحرر المسجد الأقصى والأسر المسلمة تسهر حتى ساعات متأخرة من الليل على أفلام ومسلسلات ومقاطع فيديو؟ أيُنصر الإسلام ويُرفع الظلم عن أهله وأبناؤه يضيعون الكثير من وقتهم على الفيس بوك ومواقع التواصل الاجتماعي الأخرى أكثر من الوقت الذي يقضوه في تلاوة القرآن وتَعَلُم شؤون دينهم وصلة أرحامهم؟ أيستطيع أناس أن يصمدوا أمام عدو الله وعدوهم ويقاتلونه حتى يغلبونه وينتصروا عليه بإذن الله، وهم لا يستطيعون أن يغلبوا أنفسهم لينهضوا من النوم ويقفوا بين يدي الله؟
تنقصنا نحن المسلمين في هذا الزمان المر الهمة العالية، والإرادة الصلبة، والعزم الثابت، وتعوزنا الأخلاق الرفيعة الراقية التي تميزنا عن غيرنا من الناس، ولن يصقلنا شيء مثل صلاة الفجر في وقتها... ولن يجلب لنا النصر والتمكين على أعداء الله مثلها، ولن يعلم أبنائنا الرجولة حتى يتمكنوا من استعادة المسجد الأقصى وبقية المسلوب من الأرض والحقوق والحريات مثل ركعات الفجر...
فكن من أهل الفجر الذي أقسم الله به في كتابه الكريم، واطرب سمعك بنداء الله أكبر... الله أكبر... لا إله إلا الله... الصلاة خير من النوم... هبُّوا أزيلوا الغطاء عن أجسادكم ونفوسكم ولبوا النداء.... واخرجوا في الظلام، ليس لدنيا تصيبونها، ولا لأموال تطلبونها، وإنما لله ولقربة ولطلب رضاه.
قال صلى الله عليه وسلم: «بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة» رواه الترمذي وابن ماجه.

د. زهرة خدرج

امرأة تركت صداها في نفسي

امرأة تركت صداها في نفسي
"أمينة قطب" الشاعرة والأديبة المصرية التي نشأت في أسرةٍ ملتزمة ربت أبناءها على الدين والصلاح... وعاشوا تجارب الجهاد والثبات... والألم والفقدان والصبر... فقد اعتقلت أمينة في السجن الحربي، وأوذيت كباقي أفراد الأسرة، فصبرت على ألم القيد... وصبرت على ألم الفقدان عند استشهاد أخيها الأديب والمفكر والكاتب الإسلامي العملاق "سيد قطب".
شغفت أمينة منذ بداية حياتها بالشعر، حتى أنها كانت تعطيه الأولوية على دروسها، وكان الجو من حولها يغذي ذلك الشغف بالأدب والشعر.. فشقيقها سيد قطب أديباً وكاتبا، وشقيقها محمد قطب شاعراً وكاتباً أيضاً. أخذت أمينة تحاول نظم الشعر إلا أن محاولاتها في البداية لم تصل إلى المستوى المقبول، فاتجهت إلى كتابة القصة القصيرة، إلا أنها استمرت في قراءة الشعر، خاصة مع التشجيع من أخيها سيد على المضي قدما في هذا المجال، ونقده لكتاباتها، وتوجيهاته الأدبية لها، وتعريفها بمسالك ودروب الشعر والأدب الذي رأى أنها قادرة على مواصلة السير فيه، ورعايته لمحاولاتها الحثيثة، ليُخرج منها أديبةً ملتزمة، يُعِدها للمرحلة الصعبة التي تراءت أمامه في الأفق البعيد... فهذا هو الوقت المناسب للإعداد في هذه الفترة التي تميزت بالهدوء الذي لن يكون هدوءً دائماً، بل عَلِم بفراسته واستقرائه لما يجري من أحداث أن هذه الفترة ستكون الهدوء الذي يسبق العاصفة... فلم تقتصر توجيهاته على أمينة وحدها بل اجتهد فيها مع جميع أشقائه، ليُخرِج من أحاسيسهم المرهفة كتابات أدبية تكون ذخراً للإسلام يُعِدوها لحين الحاجة إليها... وليحافظ على كتاباتهم لتكون أدباً ملتزماً مصبوغاً بالصبغة الإيمانية، وأن يضبط تصوراتهم وأحاسيسهم ومشاعرهم لتكون بعيدة عن تصورات الجاهلية واتجاهاتها في التعبير في النثر والشعر... ولم يقف عن أداء هذا الدور حتى في أحلك الظروف التي مر بها عندما كان محتجزاً خلف قضبان السجن... يعاني الظلم والقهر...
كتبت أمينة الأديبة، والشاعرة، في مجالات أدبية عدة ونشرت عدداً من أعمالها في مجلات أدبية صدرت في القاهرة، قبل أن تتعرض الحركة الإسلامية في مصر للابتلاء.
تزوجت أمينة من المجاهد السجين كمال السنانيري، الذي ما لبثت أن فقدته شهيدا. فالطريقة والتفاصيل التي تم فيها عقد وطقوس الزواج ترسم صورة أخرى من صور تحدي الطاغية، الذي عزم على القضاء على دعاة الإسلام بشتى السبل؛ فبالقتل إن أمكن، وإهدار الأعمار بين جدران الزنازين والعزل الانفرادي في أغلب الحالات، ومحاولاتٍ حثيثة ومستمرة لمحو كل أثر لهم في المجتمع، وإنكار وجودهم وأدنى حق من حقوقهم...-وكما هي عادة الحق- يأبى دعاته التسليم بالأمر الواقع... ويرفضون التهميش... بل ويفرضون أنفسهم ومبادئهم بأشكال شتى... فتكون الهزيمة من نصيب الطاغية في النهاية...
وتَم عَقدُ الزواج... من وراء القضبان... ما بين كمال السنانيري الذي كان يقضي فيه حكماً ظالماً بالأشغال الشاقة المؤبدة (25 عاماً)،لم يمضي منها سوى خمس سنوات، وأمينة قطب؛ الشابة الفتية الملتزمة دينياً... المثقفة...الأديبة... وزواج كهذا معناه أن هذه الفتاة ستمضي ما يقارب عشرون عاماً تنتظر اللقاء بزوجٍ مغيبٌ قسرياً  وراء أسوار السجن... ولكنها لم تتردد في المضي قدماً في الزواج... بل أصرت عليه... لتعيد الأمل لكل مجاهد يقاسي ظلمة الأسر... فهو هناك داخل زنزانته... يقضي دقائق وثواني العمر في ظلمة الأسر بعيداً عن دفء الشمس والحرية وكل معنى جميلٍ مشرقٍ من معاني البشرية... وجريمته التي ارتكبها... أنه اختار طريق الحق ليسير فيه ويقول: لا للطاغية...!!
وتمضى الليالي بتثاقل... الليلة تلو الأخرى... ولا يحس ببطئها مثل من يعاني من ألم الانتظار... ويرسل كمال لأمينة رسالةً يفتح لها إمكانية الانفصال عنه بسبب طول فترة بعده عنها التي لا خيار له بها... فترد أمينة بأنها مصرَّة على المضي قدماً في هذا الطريق إلى جانب خطيبها الأسير.
وتنقضي سبعة عشر عاماً، ليفرج عنه عام 1976م ، ويخرج ليواصل مع أمينة رحلة الوفاء والكفاح، ليتمَّ اللقاء والزواج، وليعيشا معاً أحلى سنوات العمر، ولم يُقدر لهما في سنوات زواجهما القليلة أن ينجبا الأبناء، عساهم يكونون امتداداً لهم في دعوتهم... ولكن هذا قدر الله... ومن عظيم كرم الله انه عوضهم عن أبناء الدم بأبناء العقيدة والدعوة... وتميزت فترة ما بعد خروجه من الأسر؛ بالنشاط الدعوي المتواصل، فلم يركن إلى الدعة والراحة بعد معاناة الأسر الطويلة التي مر بها وتحملها في صبر وثبات... فقد كان له دوره الجهادي العظيم في أفغانستان، بعد تعرضها للغزو الروسي... عدا عن دوره الدعوي في مصر...  فمن دأب الدعاة والمصلحين أن لا يتخلوا عن رسالتهم التي يعيشون لأجلها... مهما عانوا من تبعاتها... ومهما لحق بهم الأذى في سبيلها
كما هي عادة السعادة... فإنها لا تكاد تأتي حتى ترحل مسرعة، فتخالها أنها لا تستطيع الاستقرار في مكانٍ واحدٍ طويلاً... إنما هي دائمة الترحال... فقبل نهاية عام 1981م، اختُطف الزوج مرة أخرى وسجن مع كثيرين غيره من أبناء الحركة الإسلامية... وارتقي شهيداً -بعد بضعة أشهر- تحت أصناف التعذيب والأذى التي لا يطيقها بشراً ... فكيف بجسدٍ نحيل كجسد الشيخ كمال السنانيري الذي تجاوز الستين من العمر... ويشيع الطغاة أنه قد انتحر بشنق نفسه... وعجباً منهم ومن أكاذيبهم... فمن صمد عشرين عاماً في سجنٍ مهين يتذوق من العذاب الأشكال والألوان... ويقبل ذلك بثبات نفس، ورسوخ إيمان... هل يُصدق أنه يجزع لاعتقاله بعد ذلك لفترة قليلة من الزمن، فيُقدم على قتل نفسه؟... وتُسَلم الجثة إلى الأهل على أن يوارى التراب دون مراسيم جنازة أو عزاء...
وأمينة الأديبة توظف الأدب (قصة وشعرا) في خدمة الدين والجهاد والمعاني النبيلة في الحياة، فتوجه رسائلها الأدبية إلى السائرين على درب الدعوة تشد من أزرهم... وتبث الشعر العربي مشاعر طالما آلمتها وأشعلت صدرها... فتخرج الكلمات رقيقة صادقة باكية مفعمةً بأمل اللقاء والفرج... تقول:
هل ترانا نلتقـي أم أنهـا *** كانت اللقيا على أرض السراب؟!
ثم ولَّت وتلاشـى ظلُّهـا *** واستحالت ذكـريـــــــــــــــاتٍ للعذاب
هكذا يسـأل قلبي كلمــا *** طالت الأيام من بعد الغياب
فإذا طيفك يرنــــــــــــــــو باسـماً *** وكأني في استمــــــاع للجـــــــــواب
وتبقى أمينة قطب محبةً مخلصةً وفيةً لذلك الزوج والحبيب، فتعيش بقية عمرها على ذكراه... بانتظار اللقاء عند الله... في الجنة... وتغادر أمينة قطب عالم البشر إلى عالم الله سنة 2007، لتلقى الزوج الحبيب، والأخ العزيز وباقي الأحباء... ندعو الله لها بالرحمة والمغفرة...

د. زهرة خدرج

أحلام طفولة

أحلام طفولة
إذا كنت في أمر مروم**** فلا تقنع بما دون النجوم
في صغري حلمت كثيراً بأن أصبح رائدة فضاء، تخيلت نفسي بملابس رواد الفضاء المنفوخة داخل مركبة فضائية تحط على المريخ، وتدرس تربته وغلافه الجوي... كانت معلماتي وزميلاتي وجميع من حولي يسخرون مني، ويتندرون على حلمي... إلا أبي، فقد كان يصدق أحلامي، ويشجعني، ويشتري لي الكتب العلمية، ويشجعني على قراءتها، ويعلن عن استعداده دوماً لبذل كل ما لديه من أجل تعليمي ما أريد... كبرت، وصغرت الأحلام، عندما علمت بأن الفلسطيني خياراته محدودة، وجنسيته لا تعطيه الحق في وصول جميع الأماكن التي يرغب في العالم، ولكني لم أستسلم، بل تابعت الدراسة والقراءة والتعلم، وعاهدت نفسي على عدم العيش على الهامش، رفضت إلا أن أكون امرأة غير عادية، لديها الكثير لتعطيه لمجتمعها ووطنها ودينها... حفزت نفسي وبحثت عن كل ما يُعلي الهمة... وجدت حتى الآن درباً صعباً جداً، فيه الكثير من التعب والألم والمعاناة... وفيها مشاعر جميلة وبعض لحظات السعادة... كانت النجوم أحلامي... والآن أعمل لترك سيرة تلمع كالنجوم.
في طفولتنا نربط كل الأحلام بالكبر، فتكون أول جملة يقولها كل طفل: عندما أكبر سأفعل، عندما أكبر ســــــــــــ... وهكذا، يرهن حياته الحالية بقدوم المستقبل البعيد، وعندما يحدث أهله ومن حوله بما يحبه ويحلم بتنفيذه، تراهم في معظم الأحيان يضعون الحواجز أمامه عندما يقولون له: لا زلت صغيراً الآن، أترك هذا الكلام حتى تكبر، ولكن ما تتحدث عنه صعب ولا تسمح ظروفك بالوصول إليه... فتراهم لا يساعدوه أو يعلموه أو يأخذوا بيده ليبدأ شق طريقه منذ تلك اللحظة التي بدأ يحلم فيها، ليحيل ذلك الحلم إلى واقع... بل على العكس، يثبطوا همته ويصروا على أن يجعلوا منه إنسانياً عادياً ليس هناك ما يميزه.
ليتذكر كل منا الأحلام العظيمة الجميلة التي دارت في خلدنا في فترات مضت وأرقتنا وسلبت النوم من جفوننا في طفولتنا أو صبانا أو بواكير شبابنا، ما أجملها وأروعها! ما الذي منعها من أن تصبح واقعاً يا تُرى؟ فهل أصبحنا أو أننا في طريقنا لأن نصبح أطباء، أو مهندسين، أو علماء آثار، أو صحفيين كبار، أو رواد فضاء، أو مدراء مدارس، أو قادة عظام، أو... أو... كما كنا نحلم؟ لماذا يا تُرى؟
يقول أحد مدربي التنمية البشرية العالميين: "اجعل لنفسك أعلى وأروع رؤية ممكنة الآن، لأنك غداً ستصبح ما كنت تعتقده اليوم"! فإذا كنت تعتقد نفسك قوياً وقادراً على تحقيق حلمك، فإنك ستحققه بالفعل.
عندما تؤمن بحلمك، وتصيغ طموحاتك وأحلامك على شكل أهداف تضعها نصب عينيك، وتصرُّ على بلوغها، عندها فقط تكون قد سلكت الطريق الصحيح الذي يحيل الحلم إلى واقع تعيشه. ثابر وكابد الصعاب... ذللها... تحدى نفسك، وتخيل نفسك باستمرار وقد بلغت ما تريد... تذوق طعم النجاح الذي حققته، استشعره، وقد أصبح واقعاً.
لا تلعب مع أطفالك أو أي أطفال تجعلك الأقدار تتعامل معهم، نفس الدور الذي لعبه الكبار معك عندما كنت صغيراً، اصغ لأحلامهم، اتركهم يتخيلونها ويتحدثون عنها، ويصفون مشاعرهم تجاهها، والعب دوراً إيجابياً تجاه أحلامهم، احترم مشاعرهم وأحلامهم وقدِّرها، وجههم الوجهة الصحيحة التي تعينهم في بلوغ الحلم، علمهم الإصرار والمثابرة والجَلد، شجعهم على وضع هدفٍ نصب أعينهم منذ صغرهم، أثنِ عليهم، وأكد لهم دائماً بأنك تثق بقدرتهم على بلوغ تلك الأحلام والطموحات، وعندما تواجههم الصعوبات والتحديات، شجعهم على الاستمرار، وذكرهم بأن طريق النجاح وعر وصعب، فلا يمضي فيه إلا المثابرون المميزون المتفوقون...
د. زهرة خدرج