السبت، 3 يناير 2015

أمةٌ تقرأ... أمةٌ ترقى



بسم الله الرحمن الرحيم

أمةٌ تقرأ... أمةٌ ترقى



أول أمر إلهي نزل على أمة الإسلام، هو الأمر بالقراءة الذي حمله الوحي جبريل من رب العزة إلى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم قائلاً: اقرأ... فيرد عليه محمد (الذي لا يعرف عن النبوة شيء بعد): ما أنا بقارئ، فيعيد جبريل الأمر مرة أخرى ويتكرر الجواب من النبي صلى الله عليه وسلم، ثلاث مرات، ثم يبدأ جبريل بعد ذلك بتلاوة أول آيات الله التي تتنزل على محمد صلى الله عليه وسلم: )اقرأ باسم ربك الذي خلق... [فتكون أول آيات كتابنا هي الأمر بالتعلم والقراءة.

ولكن ما حدث في وقتنا هذا هو أننا هجرنا القراءة في هذا العصر المريض بجنون السرعة... حتى أنك أصبحت ترى بيوتاً فارهة، تحتوي على الكثير من قطع الأثاث والتحف الثمينة ولا تكاد تجد مكتبة أو حتى كتاباً يُقرأ، وأصبحنا نحضر الهدايا المختلفة من ألعاب وأجهزة لأبنائها ولا تجد بينها كتاباً ورقياً يتصفحه، وكأن تنمية إبداع وذكاء الأبناء اقتصرا على الألعاب التي تعج بها الأجهزة الحديثة... فغدت أمةُ اقرأ لا تقرأ... وإن قرأَت فللحصول على ثقافة سريعة وعابرة ومصبوغة بجميع الألوان لخدمة هدف آنيٍ لا أكثر حتى إذا اضطر للدخول في نقاش ما، أسعفته بعض المعلومات العائمة (لقلتها وخفتها) من الإحراج بين الناس، فلا يبدو عديم الثقافة بينهم. 

بتنا نرغب في المعلومة السهلة السريعة القصيرة، التي تأتينا عبر الفضائيات أو الصحف والمجلات، وأفضلها تلك التي نقرأها في الفيس بوك أو التويتر على عجل والتي تفتقد للمصداقية والتوثيق في أحيانٍ كثيرة... وإن قرأنا كتباً فترانا نقرأ في فن الطبخ، وتفسير الأحلام، وروايات الغرام والمغامرات، والسحر والجن... فنحن لم نعد نقرأ التاريخ لنقارنه بواقعنا علنا نستخلص منه العبر، فنعرف الصديق من العدو، حتى لا نكرر أخطاء الماضي، وليصبح لدينا أرضية صلبة نرتكز عليها في فهمنا للحاضر... ولا نقرأ أيضاً العلوم والسياسة والجغرافيا وغيرها... فلا إمكانيات لدينا للقراءة، فالوقت على القراءة يضيق... والمال على شراء الكتب يقل... والعيون على قراءة الكتب تضعف ولا تستطيع المتابعة... 
 
ولنتذكر... إننا بالقراءة والعلم والاطلاع نرقى ونعيد حضارتنا ورفعتنا... فإكساب الجيل الجديد عادة القراءة هو مسؤوليتنا نحن الكبار... الأم، والأب، والمعلم، بل والمجتمع أجمع... فعندما يعتاد الصغار على رؤية الكتاب بين يدي الأهل في البيت، والمعلم في المكتبة، ونشجعهم على حمل الكتاب وتصفحه والنظر فيه منذ صغرهم... حتى وإن لم يعرفوا القراءة بعد... ترى هذا الجيل قد شب وهو يقدِّر الكتاب، ويراه جزءً مهماً من حياته فلا يستطيع الاستغناء عنه، كما يقدر التلفاز والحاسوب و"الآي باد" ولا يستطيع الاستغناء عنها... فإن لم يتعلم هذا الصغير عادة القراءة منذ صغره...من أين له أن يعرف طريق العلم من بداية حياته... ومن أين له إذن أن يبصر العالم من حوله؟ فيسافر عبر الزمن الماضي، ويرى الجنة ويشاهد ملائكتها، ويعبر بقاع الأرض بمختلف تضاريسها ومخلوقاتها فيرى جمالها ويتذوق ثمارها... ويقابل العظماء والعلماء والأدباء... فيسمع منهم ويستقي من أخلاقهم وعلومهم وأفكارهم، ويتذوق عذب شعرهم وأدبهم ويتعلم من خبرتهم... 

أخي، أختي لا تكونوا كحامل الشهادة الأمي... لأن الأمي ليس هو من لا يعرف القراءة والكتابة وإنما الأمي من لا يعرف سوى كتب المنهاج المقرر في التخصص الذي درسه... اقرأوا واطلعوا واحملوا كتبكم معكم واقرأوها أينما ذهبتم، مثلما تحملون جهاز الجوال وبعض الطعام.

القراءة تتيح لنا ما لا يتحه غيرها... وإن لم نكن نحن أبناء شريعة "اقرأ" القدوة... فمن يا تُرى يصلح لأن يكون؟؟

الدكتورة زهرة وهيب خدرج

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق