الأربعاء، 23 سبتمبر 2015

"أصنام من لحم ودم"

"أصنام من لحم ودم"


عندما كان الإنسان بدائياً وساذجاً وبسيطاً يسكن الكهوف والمغارات، وحتى عندما سكن الخيام والبيوت الطينية كان يبحث عن إلهٍ يراه، ويلمسه، ويقتنيه في بيته، فيقدسه، ويتعبد إليه ويقدم له القرابين ويطلب منه ما يشاء وقت حاجته أو خوفه. وتلبية لتلك الحاجات والاعتقادات صنع الإنسان في تلك الأوقات أصناماً من طين، وحجر، وخشب، ومعادن، ومن تمور أيضاً وجعلها على هيئة إنسان اعتقاداً منه أن باستطاعتها حمايته وتحقيق أمانيه ومطالبه. 

وبعث الله الرسل والأنباء الذين بينوا للناس ضلال الطريق الذي يسيرون فيه، وأن هناك إلهاً واحداً لا شريك له، هو من ينفع ويرزق من يشاء ويعلي قدر من شاء، وهو القادر على كل شيء، وإنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون... تغيرت الصورة أمام الناس بعد أن اتضحت المعالم... فكفر الناس بالأصنام وآمنوا برب الأنام، عندما علموا وأيقنوا أنها أصناماً لا تضر ولا تنفع.

ولكن... بعد أن اعترانا الضعف وتمكنت الهزيمة من نفوسنا، خلعنا ثوب الإيمان الذي ارتديناه لفترات طويلة من الزمن قدنا العالم خلالها، وقدمنا للبشرية ما لم يسبقنا أحد به، عندما أيقنا أن الله فقط هو أُهلٌ للعبادة والطاعة... فأي أمر منه لا نقاش فيه، إنما علينا أن نقول سمعنا وأطعنا...ثم ننطلق للتنفيذ.

أما أغرب الغرائب وأعجبها، أننا في زمن العلم والتطور والتقدم والوهن، قد عدنا لعبادة الأصنام، بعد أن تركناها لقرون طويلة... ولكن أصنامنا من نوع خاص، يليق بإنسان العصر والتكنولوجيا والفضاء والذرَّة، فلم تعد أصنامنا من مواد بدائية كما كانت في السابق، إنما غدت أصنامنا من بشر... من لحم ودم... حين أصبحنا نقدس الأشخاص ونقدم لهم فروض الولاء والطاعة ونتقرب لهم أملاً منا في وظيفة أو منحة دراسية أو هبة مالية أو درءً لشرهم أو رغبة في قربهم... أو...أو...

وأصبح الصنم البشري يضع نفسه بمرتبة الإله –حاشا لله-حين أصبح يعتقد يقيناً أن رقاب الناس ومستقبل أبنائهم ورزقهم بيده... يقطعه متى شاء ويطلقه كيف يشاء، ما عليه إلا أن يصدر الأوامر فقط.

وتدور في خلدنا الكثير من الأسئلة عن سبب ما يجري لنا من تأخر وقتل ودمار، فمن هو المسؤول تحديداً؟ هل هم الأصنام البشرية؟ أم الظروف المحيطة؟ أم أن الشعوب تشاركهم تلك المسؤولية، فتكون لنا يد فيما وصلوا إليه؟ صحيح أنهم هم من ابتدعوا البدعة منذ البداية، إلا أننا قبلناها وآمنا بها ومارسنا طقوسها وطبقناها في حياتنا ووزنا جميع الأمور بميزانها، حتى أصبحت من المسلَّمات واليقينيات التي لا نقاش فيها، فيا ويح من يكفر بها بعد ذلك!

ورحم الله الشاعر السوري "عمر أبو ريشة" حين قال في أحد أبيات قصيدته "أُمتي" التي سُجن بسببها:

كم من صنمٍ مجدّته**** لم يكن في طُهر الصنم

الأصنام كثيرة لدى شعوب الأمة العربية الإسلامية اليوم...أصنام ليست بريئة كأصنام الجاهلية، بل أصنام تضر ولا تنفع، تقتُل وتسجِن وتشرِد وتحاصِر...أصناماً لا تفقه إلا شريعة الغاب؛ فما وجدت الشعوب الضعيفة إلا لتُؤمر فتطاع فقط، وليس لها من الحقوق شيء، حتى حقها في الحياة، الصنم البشري هو من يقرر إذا ما كانت تستحقه أم أن الأمر بحاجة لنظر ومراجعات!!.


د. زهرة وهيب خدرج 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق