الأربعاء، 23 سبتمبر 2015

"منطقة الأمان والراحة" لماذا نتخلى عن أحلامنا؟

"منطقة الأمان والراحة"

لماذا نتخلى عن أحلامنا؟


"جاءت راكضة نحو أمها في الصباح الباكر قائلة: أُمي لعبت بالأمس مع ابنة جيراننا حلى وأختي تقوى لعبة طبيب الأسنان، فقد كان سن حلى يؤلمها عند تناولها الطعام، وكان على وشك أن يسقط من مكانه، فارتديت قميص أخي أحمد الأبيض، لأصبح طبيبة أسنان، وقد فحصت أسنان حلى وحضرت لها دواءً من عصير الليمون ليخفف ألم سنها، وأسقيتها إياه ... أمي: عندما أكبر سأصبح طبيبة أسنان وسيكون لي مركز أسنان خاص بي، أعالج فيه كل الأطفال الذين تؤلمهم أسنانهم، ولن أستعمل الحقن المؤلمة في علاجهم، بل سأخترع طريقة أعالجهم بها من دون حقن".

في طفولتنا يسيطر علينا الخيال الواسع والاحلام... فنحلم بأننا أبطال خارقين، وأطباء جراحين، ومهندسين ماهرين، ومديرون، ووزراء، ورؤساء دول، ورواد فضاء، وآباء وأمهات مميزين... ونلعب مع إخواننا وأصحابنا اللعبة، فنتقن الأدوار ونتفنن في الأداء، ونعيش دقائق الأحداث وكل التفاصيل، فيبدو الواحد منا  وكأنه حقيقةً طبيب ماهر والآخر مريض متألم... وهكذا.

ما يميز أحلامنا ويميزنا في تلك الأوقات، أننا نصدقها، بل نؤمن بها، وأبداً لم نكن على استعداد لأن نصدق أنها محض أحلام طفولية. ويمضي الوقت فنكبر في الحجم والقدرات والخبرات، ولكن أحلامنا تأخذ بالتضاؤل شيئاً فشيئاً... فلدى الكثيرين منا، ما كان حلم سيحققونه عندما يكبرون... يصبح عندما يكبرون فعلاً مجرد أحلام طفولة عابرة... يتذكرونها وهم يضحكون من أنفسهم، ويحدثون من حولهم عنها.

ما يحدث حقيقةً أنه؛ عند وصولنا لمساحة تحقق لنا بعض الاستقرار المادي والمعنوي والاجتماعي وبعض الأمن الذي يرافقهما... ترانا نلتصق بها ونخلد للراحة والسكينة في تلك المساحة... فيصبح من الصعب علينا أن نتخلى عن الراحة والأمان الذي حصلنا عليه، لهذا نتخلى أيضاً عن أحلامنا التي كانت تراودنا بأن نصبح متفوقين ومتقدمين وقادة... وهذا يبرر لنا، لماذا يتوقف الكثيرون عند أول محطة نجاح يصلون إليها في حياتهم ولا يتابعون النجاحات والإبداعات على الرغم من العقلية الفذة والقدرات العظيمة التي يمتلكونها... فهم يخافون على أنفسهم ونجاحاتهم من المجازفات التي قد يتعرضون لها إن هم استمروا في المضي قدماً إلى الأمام، فتحدثهم أنفسهم أنهم ربما يخسرون ما حققوه في أحد المحطات القادمة... فتراهم يتجمدون في مكانهم ويعدون أنفسهم في زمرة الناجحين.

إن رضيت لنفسك الخلود إلى السكينة والراحة، ولم تتابع ما بدأت من نجاح، فاعلم أنك قد وصلت إلى مرحلة بدء الفقدان... فقدان ما حققت من نجاح... فالشعلة إن لم تمدها بوقود يحافظ عليها مشتعلة... فستنطفئ بعد مضي بعض الوقت عليها، عندما ينفذ الوقود من حولها... فنجاحاتنا بحاجة لوقود نمدها به... وهي إبداعاتنا وطاقاتنا التي لا بد وأن نستمر في بذلها في سبيل الحفاظ على ما حققناه.
صحيح أن التغيير والتجديد والمجازفات تشعرنا بالخوف، ولكن أليس الخوف لبعض الوقت أفضل من الاختباء في الظل لفترات طويلة من الحياة؟ فإذا كنت تريد أن تتميز أو تقود أو أن يُحفظ ذكرك... فلا تقف مكانك مهما بلغت من العلى... فالعلى بحاجة لأن تستمر في المثابرة وبذل الجهد حتى تحتفظ به...

فما كان من جهدك أنت لا ترضى بما وصلت له، بل تابع ما دمت حياً... وما كان من الله، فارض بما قسم لك... تكن أسعد الناس، وتترك خلفك بصمة يذكرك الناس بها بعد أن تمر من هذه الدنيا.


د. زهرة وهيب خدرج

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق