الخميس، 5 يناير 2017

مواقف أبكتني



مواقف أبكتني
مواقف كثيرة لا حصر لها أبكتني، والتي لا أستطيع تذكرها ربما لكثرتها وربما لقلة خصوصيتها، إلا أن قلة منها لا زلت أذكرها، بل وأعود للبكاء مرة أخرى عندما أتذكرها. ربما تعتقدون أنها مواقف فراق الأحبة الذين غيبهم الموت أو غيبتهم الحدود والأماكن، وربما تظنون أنها مشاهد المجازر التي تتعرض لها الشعوب العربية والمسلمة ومشاهد الدمار لكل ما يمت لحضارة بني الإنسان بصلة، والتي أصبحت مشهداً يومياً معتاداً، صحيح أنها مواقف مؤثرة تهز المشاعر وتبكي العيون وتدمي القلوب، إلا أنها لتكرراها وإلحاحها على حواسنا، بتنا نشعر وكأن البكاء لها غدا مبتذلاً.
أول المواقف التي بكيت لها وأعود للبكاء مرة أخرى عندما أتذكرها أو تتراءى لي حتى في المنام، عندما وطئت قدماي حبيبة قلبي مدينة القدس بعد غياب طال لسنوات عدة. فقد تقدمت مرات عدة بطلب للحصول على تصريح زيارة لدخول القدس والصلاة في المسجد الأقصى، إلا أن الاحتلال رفض في كل مرة إعطائي إياه.. ولشدة شوقي للقدس وتقبيل ثراها أخذت في ليالي كثيرة أحلم بها.. حتى تم ترتيب دخولي لها "تهريب"، وبعد أن اجتزت جدار العزل العنصري وأصبحت قدماي تسير على ثراها لم أتمالك نفسي، ولم أصدق أني حقيقة داخلها، وأنني الآن بأمان وسأصل المسجد الأقصى بإذن الله.. فسجدت شكراً لله على نعمته عليَّ، وقبلت ثراها.. سرت لمسافات طويلة على أقدامي حتى تورمتا قل أن أتمكن من ركوب حافلة أوصلتني لمنطقة قريبة من باب العمود..
وللقدس رائحة خاصة لا يعرفها إلا من سار في أزقة بلدتها القديمة وتشبعت رئتاه من مِسكها.. ملئت رئتاي بقدر ما أستطيع من شذاها وكأنني لن أعود إليها مرة أخرى.. كنت مشتاقة جداً لسجدات في المسجد الأقصى.. والحمد لله الذي منَّ علي بها.. وطوال زيارتي للقدس والمسجد الأقصى لم تتوقف دموعي ولم تهدأ العواطف في صدري..
الموقف الثاني المؤثر جداً الذي مررت به هو عندما تعرفت إلى شخصية وإنجازات مهاتير محمد عن قرب وقرأت سيرته الذاتية "طبيب في رئاسة الوزراء"، سيرة مشرفة، وتاريخ وضاء لشخصية مسلمة أعادت لنا ذكريات مجدنا التليد... كنت أقرأ عنه وأقرأ سيرته وعيناي لا تكفان عن البكاء، حتى أن زوجي اعتقد حدوث أمر جلل معي، ولم أتمكن لمشاعري المحتدمة في صدري من أن أوضح سبب بكائي. وربما تستغربون، أأبكي لنجاح رئيس مسلم قوي نهض ببلاده ورفع من شأنها؟ نعم، فسيرته قد نكأت جرحاً مؤلماً داخل قلوبنا، فضعفنا، وتسلط الحكام علينا، واستباحة جميع طغاة الأرض لدمائنا وأعراضنا وأرضنا جعلتني أتألم بشدة وأسأل نفسي: لماذا لا تتكرر شخصية مهاتير محمد "أطال الله في عمره" في دولنا العربية، فننهض ونرتقي كما ارتقت ماليزيا؟؟ لماذا نبقى عبيداً ويبقى غيرنا سادة؟؟.
وموقف آخر ترك أثره في نفسي، والذي أخالكم ستتوقعون فرحي به، إلا أنه أبكاني بشدة، ولا أعتقد أنني سأنساه ما حييت، فعندما كنت أتصفح صحيفة فلسطين في أحد الأيام من أواخر شهر نيسان من هذا العام (النسخة الإلكترونية، حيث أنه يمنع طباعة الصحيفة في الضفة)، وفي الصفحة الأخيرة شاهدت تهنئة من صحيفة فلسطين الحبيبة لي بصدور كتابي "رفاهية العيش، هل ثمنها حياتنا؟" الذي صدر في مصر.. بكيت حينها لأني كنت أعتقد أن لا أحد يعبأ بكتاباتي ولا يوجد من يقدر إنجازاتي ويتذكرني، لأنني أكتب لله، ولأداء رسالة نذرت نفسي لها ولا أكتب لشهرة أو مال.. فكانت لفتة رائعة من صحيفة فلسطين (أدامها الله وبارك في عامليها وكتابها) أثارت مشاعري.
أما آخر المواقف المؤثرة التي أبكتني، فهي عندما وصلني بالبريد كتاب أختي وصديقتي العزيزة هديل عطا الله "حوارات في الفكر والحياة"، يحمل شذى غزة الحبيبة الأسيرة، ويحكي في ثناياه ذكريات جراح لا تفتأ تؤلم قلوبنا عن احتلال قتلنا وشردنا واستباح أرضنا وعرضنا.. وشتتنا في بقاع الأرض لنحمل مسمى لاجئين.. ومع كل كلمة أخذت أقرأها وأتقدم في الكتاب تنساب دموعي وعواطفي.. وأزداد ثقة بأن المقاومة هي الحل الأوحد الذي يعيد لنا المسلوب من الأرض والعرض والكرامة.. فشكراً لك هديل..
#د_زهرة_خدرج


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق