الخرس
الزوجي... مغتال سعادة الأزواج
"
عاد من العمل، منهكاً كما هي العادة، ملابسه النظيفة بانتظاره على حافة السرير،
قامت بمساعدته في ارتدائها بعد خروجه من الحمام، تناول غدائه وحيداً، فالأطفال لا
يستطيعون الانتظار دون غداء حتى عودته في المساء، أما هي فلم يَدْعُها لتناول
الطعام معه، تبادل معها بعض الكلمات البسيطة حول العمل واكتظاظ الحاجز العسكري
الذي يجتازه يومياً، والمشادة الكلامية التي حدثت بينه وبين المعلم
"اليهودي" الذي يعمل عنده... أنهى طعامه واستلقى ليأخذ قسطاً من
الراحة... نهض بعد ساعة ونصف، ارتدى ملابسه وخرج لرؤية الأهل والأصحاب، عاد إلى
البيت في الحادية عشرة مساءً، لا بد من رؤية الأخبار وفتح الفيس بوك، نظر إلى
الساعة فإذا هي تقترب من الواحدة ليلاً، يجب أن يذهب إلى النوم فاجتياز الحاجز
العسكري في الصباح الباكر شرٌ لا بد".
"تقول: زوجي لا يكاد يتذكر أن في البيت زوجة
تحبه وتنتظر عودته، وترغب بالحديث إليه وسماع أخباره ودقائق تفاصيل يومه، وشكوى
همومها ومتاعبها له... ما يكاد يدركه فقط أن هذه الزوجة تنظف البيت وتطهو الطعام، وتعتني
بالأطفال، وتقدم جميع الخدمات له ولأبنائه... وعندما أكلمه عن أموري وهمومي، لا
أشعر أنه يهتم كثيراً بما أقول، بل أشعر أنه يسمعني على مضض، ومن دون مشاركة، حتى
عندما أغير من تسريحة شعري أو أرتدي ملابس جديدة لا ينتبه أن هناك شيئاً قد تغير،
أجده يهتم بصحيفته أكثر مني، بل تراه يغرق في تفاصيلها المملة دون كلل أو ملل، حتى
بت أعتبرها ضرتي التي تنافسني في زوجي... حاولت تذكيره بأنني سئمت الحياة بهذه
الطريقة وأنني بحاجة له إلى جانبي، بكلمة رقيقة أو هدية بسيطة مهما كانت أو لفته تخبرني
أنني امرأته التي تحبه ويحبها ولست مجرد ست البيت، يغضب ويقول: لقد كبرنا على هذا
الكلام، وأنت تعلمين أنني أحبك، فأنا لا أقصر في طلباتك واحتياجاتك مهما كانت، ألا
يكفيك ذلك لقول أنني أحبك..."
"وَمِنْ
آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا
وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ".
في
ظل التقدم التكنولوجي، وثورة الاتصالات التي اجتاحت جميع نواحي الحياة، وملازمة
معدات هذا التقدم لجميع أفراد المجتمع في كل اللحظات تقريباً، أصبحت هذه الظاهرة
مألوفة جداً، ومُلاحظة بطريقة لا يمكن تجاهلها... ظاهرة الخرس الزوجي، فما هي هذه
الظاهرة؟ وما هي أسبابها الحقيقية؟ وما هي الحلول الممكنة لها؟ وكيف الوقاية من
حدوثها؟
الخرس الزوجي
الخرس
الزوجي هي ظاهرة تحدث بعد مرور سنوات من العشرة الزوجية، حيث تصاب العلاقة بنوع من
الفتور يعقبه قلة في الكلام وضعف وتراجع في الاتصال والتواصل بين الزوجين، وما
يميز ظاهرة الخرس الزوجي أن الزوج يصبح بعيداً بعداً معنوياً عن زوجته، جافاً في
علاقته معها، فهو إما أن يجلس صامتا واجما غارقاً في عالمه الخاص وهمومه، ليقرأ صحيفة،
أو يشاهد التلفاز، أو يكلم صديقاً أو قريباً، أو يتصفح الإنترنت ويتابع الفيس بوك،
أو مشغولا بالهاتف الذكي...ففي كل تلك الأحول لا يشعر بوجود زوجته، ولا يعيرها
انتباهه، وإن كلمها فبِجُمل قصيرة وأسئلة مقتضبة، وإن حدثته بشيء بدا وكأنه لا
يسمع أو غير آبه لما تقول. ومن يبادر لقلة التواصل أو الصمت عادةً ما يكون هو
الزوج.
"زوجي
لا يسمعني ولا يكاد يراني"... تكاد تكون هذه هي الشكوى التي تتذمر بها الزوجات
من هذه الظاهرة، فالزوجة تستقبل عدم الحديث معها وعدم الانصات لها بأن زوجها لا
يهتم بها... ولم يعد يكن لها مشاعر الحب والإعجاب كما كان سابقاً، فيتولد لديها
مشاعر اليأس وفقدان الأمل، وخاصة عندما ترى المرأة زوجها يضحك ويمازح الآخرين
عندما يكون خارج البيت، أما عندما يعود إلى بيته فإنه يصاب بداء الصمت، وعادةً ما
تقوم بمحاولات عديدة وبأساليب مختلفة لإخراج زوجها عن صمته، وعندما لا يستجيب، تغرق
العلاقة الزوجية في الصمت والفتور, ويلاحظ الأبناء ما يحدث ويتأثروا به تأثرا سلبياً
ومباشراً، ويتسبب في حدوث أزمة حقيقية داخل الأسرة يترتب عليها مشاكل صحية، ونفسية،
واجتماعية لجميع أفراد الأسرة.
ولا
ننسى أنه بسبب الاختلاف في طريقة التفكير والنظرة إلى الأمور وترتيب الأولويات والتعبير
عن المشاعر والاحتياجات فإن الكثير من الرجال يعتبرون حديث المرأة غني بالتفاصيل الزائدة
غير المهمة، ولا نغفل أيضاً أن المرأة في أغلب الأحيان يكون جل اهتمامها منصباً
على زوجها وإرضائه وسماع رأيه والبقاء بقربه، مما يشعر الزوج بنوع من الحصار تفرضه
زوجته حوله. ولا شك أن تبادل الأحاديث بين الزوجين، وإصغاء كل منهما إلى الآخر، وسماع
همومه ومشاكله واهتمامه به ومشاركته في الآراء والاقتراحات، مهم جداً لبناء علاقة زوجية
صحيحة سليمة، تقوم على التفاهم، حيث يكون من نتائجها السعادة والرضى لكلا الطرفين.
أسباب
الخرس الزوجي
من الطبيعي أن لا
تسير الحياة الزوجية على وتيرة واحدة، كما يقول المثل الشعبي" يوم عسل ويوم
بصل"، فليس من المستغرب أن توجد خلافات زوجية في بعض الأحيان يعقبها فترات من
الصمت، ولكن لا يجب لفترات الصمت تلك أن تطول لتصبح نمط يومي للحياة، وسلوكاً
دائماً.
ينتج
الخرس الزوجي عن غياب اللغة المشتركة ويؤدي إلى نفور متبادل ورغبة في الانطواء، ولا
يمكننا إلقاء اللوم على الزوج وحده في مسألة الخرس الزوجي، فأن يمتنع عن الاستماع
لزوجته وينعزل بمشاعره واهتماماته بعيداً في قلعته الخاصة به، لا يحدث دائماً
نتيجة أشياء تخصه وحده، صحيح أن مشاكل العمل والحياة والتحديات التي يتعرض لها
الزوج خارج البيت قد تنعكس سلباً على علاقته مع زوجته متسببة في ظاهرة الخرس
الزوجي، ولكن للمرأة دورٌ مهم في تعزيز أسباب وجود هذه الظاهرة وطفوها على السطح
واستمرارها. وعندما تجد المرأة أن زوجها قد أصيب بهذه الظاهرة مذ وقت قريب، فلا
بُد ان يكون هناك أسباب طارئة وراء ذلك، وربما تكون:
§ يحتاج الرجل في بعض الأحيان لفترات
استراحة وهدوء وبُعداً على كل ما ومن حوله، باحثاً عن السكينه، ونستطيع أن نسميها
"استراحة محارب"، وهذه ما تكون عادةً فترة عابرة لا يلبث أن يعود منها.
§ يصاب الكثير من الرجال بالخرس الزوجي
عندما يجدون زوجاتهم ثرثارات، يتكلمن في الكثير من الأشياء دون توقف، فيقابل الرجل
الثرثرة الزائدة بالصمت حتى تتوقف المرأة من تلقاء نفسها عندما تجد الصمت هو
الجواب.
§ ينتظر الزوج أحياناً كثيرة من زوجته أن
تكون دائما المبادرة بالحديث والبحث عن الجديد، وفتح المواضيع التي يتحدثان فيها،
فإذا لم تبادر الزوجة لذلك حل الصمت بينهما.
§ عدم اختيار الوقت المناسب للحديث، قد
يعقبه الامتناع عن الحديث أصلاً.
§ عدم وجود اهتمامات مشتركة بين الزوجين
(غير الأولاد والبيت)، تجدهم يميلون للخرس الزوجي عندما يكبر الأبناء، لأن العامل
المشترك بينها يكون قد انتهى.
§ بعض السلوكيات المنفرة من أحد الزوجين
التي تدفع بالطرف الآخر إلى تجنب الحديث معه بعداً عن الخلافات.
ومن
أسباب الخرس الزوجي المزمن:
§ ينشأ بعض الرجال في بيئة أُسرية تعاني من
هذا المرض فيتوارثونه من آبائهم, ولا يستطيعون التخلص منه وكأنه أصبح جزءٌ من
تكوينهم.
§ الغنى الفاحش أو الفقر الشديد وما ينتج
عنه من ضغوط مادية خانقة.
§ اختلاف ثقافة واهتمامات كل من الزوجين عن
الآخر لعوامل عديدة، كالعمر أو التعليم أو الثقافة أو التربية فلا يستطيعان التواصل
مع بعضهما.
§ أن تكون الزوجة سليطة اللسان، فترى
الزوج يميل أغلب الوقت إلى الصمت تجنباً
للمشاكل.
§ عدم اهتمام كل من الزوجين بمشاعر الآخر
وباهتماماته وهواياته.
§ سوء فهم لمفهوم القوامة لدى بعض الرجال
حيث يعتقدون أن القوامة هي وضع فواصل وحدود بينه وبين زوجته يمنع تجاوزها، فيكون في اعتقاده أن ملاطفة
الزوجة وملاعبتها ينتقص من رجولته، ويقلل من هيبته ومنزلته.
§ تكبر أحد الزوجين على الآخر مما يضطر
الآخر للبعد عنه.
النتائج
المترتبة على الخرس الزوجي
يتأثر
جميع أفراد الأسرة بهذه الظاهرة بشكل سلبي؛ فيتأثر الزوجين صحياً، واجتماعياً، ونفسياً.
أما الأبناء فيميلون إلى العزلة وينفردون بمشاكلهم ويشعرون بفقدان الحماية، ويتاح
المجال أمامهم للانحراف والتدخين وإدمان المخدرات؛ بالإضافة إلى تكرار البعض منهم
لنفس الوضع الأسري السلبي عندما تصبح لديهم أسرهم الخاصة.
· أن تكون الزوجة هي البادئة بالحديث
وكسر حاجز الصمت فالزوج لديه اهتمامات ومشاغل كثيرة وهموم حياتية قد تشغله عن الحديث،
على أن لا توجه له الانتقادات المباشرة والمستمرة حتى لا يجعل الزوج من ذلك عذرا للاستمرار
في صمته.
· أن تحاول الزوجة تجديد العلاقة الزوجية،
من خلال تغيير الأسلوب في التعامل مع الزوج، وأن تكون أكثر رقة معه.
· على الزوجة أن لا تحاصر الزوج بأسئلة وتنتظر
منه إجابة فورية وكأنها تحقق معه وتقيد حريته، وبذلك يصر على صمته، ولكن يجب توجيه
الأسئلة برقة ودون اصرار حتى يضطر إلى الكذب لإسكات الزوجة وإرضائها.
· ان تفهم الزوجة شخصية زوجها، فلكل شخصية
مفاتيح ومداخل، والزوجة الذكية تعرف المفاتيح والمداخل وبالتالي تعرف كيف تكيف نفسها
مع طبيعة شخصية زوجها بمرونة وفاعلية وتحافظ على علاقتهما نضرة ومتجددة دائماً.
كيف
يمنع الزوجان حدوث هذه الظاهرة؟
ª أن تقوم الزوجة بامتصاص غضب الزوج عند
حدوث خلافات وفي نفس الوقت مواجهة المشكلة بعد ذلك بهدوء ومناقشة الوضع بعد أن
تكون ثورة الغضب وردة الفعل قد انتهت، وأن يتجاوز كلا الطرفين عن الهفوات والصغائر.
ª إضفاء جو من المرح داخل البيت لكي
تتولد الألفة وتستمر وتزيد من تمسك جميع أفراد الأسرة بالبيت.
ª أن يكون لأفراد الأسرة جميعاً جلسة
يومية يتم الحديث خلالها عن كل ما يقض مضجع كل فرد من الأفراد من مشاكل وأمور
تحيرهم، وتوجيههم وتقديم الاقتراحات.
د.
زهرة وهيب خدرج
كاتبة
ومؤلفة فلسطينية


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق