هل
الحُب فعلاً هو عماد الحياة الزوجية؟
تصور
لنا الروايات والمسلسلات والأفلام غير الملتزمة والتي تعج بها المكتبات والفضائيات
والأنترنت، أن من أهم شروط نجاح الزواج هو الحب قبل الارتباط، والحب الذي لا يأتي
قبل الزواج صعبٌ عليه أن يأتي بعد ذلك ويطرق الباب. بل زاد البعض على ذلك فقالوا:
إذا دخل الزواج من الباب، هرب الحب من الشباك. وهناك من قال أيضاً: من يقول إن
الحب حرام فهو يحرمكم المشاعر الجميلة اللذيذة. وكأن العلاقة المحرمة بين الرجل
والمرأة هي الأصل وهي الشيء الباقي، فإذا ما حُولت إلى علاقة يرضاها الله تلاشت الجوانب
الجميلة منها.
فهل
ما قيل وما يقال عن الحب والزواج في الروايات والأفلام صحيحاً؟ وهل الحب مقصوراً
على ذكر وانثى لا تربطهما علاقة شرعية؟ أليست معاني الحب أكبر وأجل من أن تكون
مجرد علاقة محرمة بين ذكر وانثى؟ أم أنها مشاعر عابرة لا تلبث وأن تزول ليحل محلها
السأم والاعتياد بعد الزواج؟ وهل الحب هو
الركيزة الأساسية في الزواج؟ وكيف للحب أن يتولد بعد الزواج وأن يستمر يانعاً
رقراقاً؟
يقول
ربُ العزة في سورة الروم الآية 21" وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ
أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ
فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"
ومن
كلام الخالق عز وجل ندرك أن المودة والرحمة بين الأزواج هي عماد الحياة الزوجية،
وليس الحب الذي يسبق الزواج، والركيزة الأساسية لهذه المودة والرحمة هي الاحترام
المتبادل بينهما. وتصوروا... شاباً تزوج فتاة أحبها لسنوات، وعندما أصبحت في بيته
تتطاول عليه في كلامها، وتُسَفِه من أهله ولا تحترمهم، وتحتقر بيته المتواضع، تسهر
إلى أوقات متأخرة على الانترنت والفيس بوك، ويخرج هو إلى عمله في الصباح وهي نائمة
ويعود إلى البيت بعد الظهر والغداء لم يجهز بعد... فهل تتوقعون لهذا الزواج أن
يستمر على الرغم من الحب الذي كان يكنه هذا الرجل لهذه المرأة قبل الزواج؟ وشاب آخر
تزوج من فتاة خطبتها أمه له من الأردن، رآها المرة الأولى في حفل زفافهما، ولكنها
تحفظ ماله وبيته وتحترمه وتقدره وتسهر على راحته ولا تعمل ما يغضبه ولا تخرج إلا
بإذنه، تودعه عندما يخرج وتستقبله بحرارة عندما يعود وكأنه عاد من سفر طويل... بعد
الزواج أحب هذا الشاب زوجته بشده بل غدت الأوقات التي يقضيها معها هي أعذب أوقات
حياته...
فالاحترام
والانتباه لاحتياجات الآخر وتلبيتها قبل أن يضطر للبوح بها بصوت عالي... هي فعلاً
الركيزة الأساسية في العلاقة الزوجية، ووجودها منذ اللحظة الاولى من بداية الزواج
هي ما تجلب المودة والمحبة الصادقة، وليست الشهوات والنزوات العابرة التي تزول
وتنتهي بمجرد إشباعها.
وفي
خضم المسؤوليات الكثيرة، وضغوط الحياة الأسرية، والمشاكل التي لا بد وأن تظهر مهما
بلغت درجة تعقل الزوجين، قد تختفي آثار الحب ولكن الحياة الزوجية تستمر ويكون فيها
من اللحظات الجميلة التي تطيب الحياة وتسيرها بسلاسة.
ولكن
ماذا لو اختفت آثار الاحترام؟... فهل تستمر الحياة الزوجية؟... لا أظن ذلك... بل أعتقد
أن البيت سينهار وسيخسر كل من فيه. والأبناء الذي ولدوا وتربوا في بيئة ينقصها
الاحترام لا بد وأن يعانوا من مشاكل في حياتهم القادمة.
وتذكروا...
الاحترام هو عماد الحياة الزوجية لأنه هو من ينجب المودة والرحمة بين الأزواج، وهو
السحر الذي نمارسه فنأسر قلوب الآخرين به... ومن يقول عكس ذلك فهو يخدعكم بترويج
أكاذيب تدمر المجتمع بأسره وليس مجرد حياة شاب وفتاة.
د.
زهرة وهيب خدرج
أخصائية
تنمية موارد بشرية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق