الأربعاء، 26 أغسطس 2015

حكايتي مع لغة الجسد

حكايتي مع لغة الجسد

أحياناً كنت أشعر ببعض الناس لا يتعاملون معي بالشكل مقبول، وكنت أخبر زوجي بذلك، فكان يسألني إن كانوا قد تلفظوا بكلمات تسيء إلي، فكنت أجيبه بالنفي، ولم أكن أمتلك حجة على ما أقول، كان مجرد شعور ينتابني دون أن أستطيع تفسيره. إلى أن درست لغة الجسد كمساق دراسي في دكتوراه تنمية الموارد البشرية، فوجدت فيه ضالتي المنشودة؛ فبعد دراسة المساق؛ تشكلت لدي فكرة جيدة عن هذا العلم الذي جذبني إليه بشدة ومكنني من فهم مشاعر الناس واحتياجاتهم من دون أن يتلفظوا بأية كلمة، فقط من خلال الإيماءات التي تطلقها أجسادهم.
لشدة إعجابي بهذا العلم قمت ببناء خطة لأطروحة الدكتوراه تحت موضوع لغة الجسد، وصغت فرضيات البحث، وأخذت الموافقة من المشرفين عليها، ثم انطلقت أدرس هذا العلم بنهم... درسته قبل أن أبدأ بإجراء تجاربي لمدة تزيد عن العام... فلم أترك مقالاً أو كتاباً أو بحثاً يدخل في صلب موضوع لغة الجسد أو يتناولها بشكل عابر، باللغة الإنجليزية إلا واطلعت عليه ودونت ملاحظاتي، حتى أصبح المشرفون على دراستي يطلقون عليَّ لقب "خبيرة لغة الجسد" بل ويستفتونني في بعض الإيماءات والمواقف التي تحيرهم.
اكتشفت بعد الغوص العميق في موضوع لغة الجسد أنني أصبحت أكثر تأثيراً فيمن أتعامل معهم من الناس، حتى أولئك الذين أحادثهم تلفونياً، تضاعفت قدرتي على إقناعهم بما أريد. وامتلكت مهارات أكثر في نشر أفكاري وقناعاتي وإيصالها للآخرين... كما وزاد فهمي لما يريده الناس وما يشعرون به تجاهي أو تجاه أنفسهم أو تجاه بعضهم... أصبحت أدرك الكثير عنهم بمجرد أن أراهم يتكلمون... فأعرف متى يكونوا في أكثر لحظاتهم صفاءً وصدقاً وأعرف أيضاً متى يكذبون... أعرف إن كانوا يتظاهرون بالشيء أم أنهم يشعرون به حقيقة في داخل قلوبهم...
قالوا لي: اخترت علماً سيسبب لك المتاعب، فأن تعرفي حقيقة الشيء الذي يحاول صاحبه إقناعك بعكسه هو شيء لا تحسدين عليه...
حدثت معي العديد من المواقف التي كنت أرى التناقض السافر بين ما يقوله لسان الشخص وما يقوله جسده... ففي إحدى المرات التي كنت فيها متوجهة لعملي وكانت الوقت مبكراً، كنت أريد ترك أمانة صغيرة لشخص ولم يكن قد بدأ دوامه بعد، ولم أكن أستطيع الانتظار وإلا فسأتأخر عن عملي، سألت شخصاً كان يفتح محله التجاري بالقرب من مكان عمل الشخص الذي أقصده، إن كان يعرف فلان، وسميت له الشخص المطلوب... فأجابني بالنفي وهو يوجه نظره إلى مكان عمل الشخص المطلوب... استلمت الرسالة التي وجهتها عيناه لي والتي كذبت لسانه...
من المواقف التي كنت أصيح حنقاً بسببها وأقول: (ما أطول لسانه!) عندما كنت أقرأ إيماءات الكذب أو القلق أو الاضطراب لبعض الشخصيات السياسية (التي لا داعي لتسميتها هنا)، في مواقف كانت ألسنة تلك الشخصيات تنطق بنقائضها. فبعض هؤلاء كان يهدد بلسانه بينما ترتعد إيماءات جسده قلقاً واضطراباً مكذبةً ما يقوله لسانه.
في الدورات التدريبية الكثيرة التي أنفذها خلال عملي أعلم تماماً متى سأم الجمهور ويحتاجون لاستراحة، ومتى صدموا مما أقول فعليَّ أن أسترسل في سرد فكرتي، ومتى يحتاجون للمزيد من البراهين والدلائل لإثبات ما أقول، ومتى هم لا يتفقون معي، لدرجة أنني أصبحت أحياناً أتوقع ماذا سيقولون حتى قبل أن يرفعوا أيديهم لمقاطعتي.
علمي في لغة الجسد فتح أمامي أبواب جديدة جعلتني أفهم الإنسان أكثر وأكثر، فعندما درست التمريض في البكالوريوس تعلمت الكثير عن الجسد الذي نمضي حياتنا محتجزين داخله، وفي الماجستير تعلمت عن البيئة التي تحيط بنا فنؤثر فيها وتؤثر فينا، وجاءت لغة الجسد لتكمل الناحية الثالثة التي كنت أجهلها وهي نفس الإنسان ومشاعره واحتياجاته.
"فسبحانه، علم الإنسان ما لم يعلم!"

د. زهرة خدرج

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق