الأربعاء، 26 أغسطس 2015

في أقبية التحقيق

في أقبية التحقيق

صدر أمر باعتقالي... طوقت الدار في ليل مظلم... وقبل أن يطرقوا الباب كانوا قد تسوروا البيت فإذا بهم في غرفة نومي... وخزني أحدهم بطرف بارودته... صارخاً بي: أفق يا هذا... فتحت عيني على مضض لأستيقظ من الكابوس الليلي الذ ألم بي لأجد أنني استيقظت على الكابوس ولم أستيقظ منه... فالكابوس أمامي... طبعاً لا أدري من هؤلاء أو ماذا يريدون مني... ملابسهم وأسلحتهم تخبرني أنهم قوات أمن... هذا ما أدركته لتوي...

استيقظت أمي على الجلبة التي أحدثها هؤلاء في البيت صرخت بهم بشجاعة: من أنتم وماذا تريدون... اخرجوا من هنا... قابل أحدهم صراخها بصراخ أعلى منه، آمراً إياها بالانزواء جانباً وعدم التدخل... وأعقب قائلاً: اسأليه ماذا فعل وستعرفين بنفسك ماذا نريد منه.
لم يتركوا لي فرصة استبدال ملابسي، فالجو في الخارج شديد البرد، وأنا أنام كعادة الكثير من الناس بملابس النوم الخفيفة... كانوا متسامحين جداً وإنسانيين عندما سمحوا لي بوضع الحذاء في رجلي والذهاب إلى الحمام لقضاء حاجتي...

عصبوا عينني وقيدوا يدي برباط بلاستيكي رفيع أحكموا شده على يدي لدرجة أحسست معها أنه بدأ يخترق لحمي من اللحظة الأولى لوضعه... اقتادوني خارج البيت، واركبوني سيارة يفتح بابها من المؤخرة... أدركت أنها سيارة عسكرية... عصفت أفكار كثيرة في ذهني... إلى أين يقتادونني؟ وماذا يريدون مني؟ ماذا حدث حتى يأخذونني في منتصف الليل بهذه الصورة؟ وما الأمر العاجل الذي استدعاهم إلى الإسراع بأخذي وعدم السماح لي بتغيير ملابسي؟

بعد مسافة ليست بالقصيرة أدركت من خلالها أنهم اقتادوني لمنطقة أخرى غير تلك التي أسكنها، دفعوني بقسوة للنزول من السيارة، التي لم أستطع تقدير ارتفاعها عن الأرض فكان ذلك سبباً في سقوطي أرضاً...

وبدأت جولات التحقيق والتعذيب من شبح وتعليق كما تعلق الشاة المذبوحة عند سلخها، إلى الجلد بالبربيش البلاسيتكي المرن، الذي كنت أشعر بكل ضربة منه تهوي عليَّ، وكأنها تنتزع أجزاءً من لحم ظهري وكتفيَّ وذراعيَّ  وتذروها في الهواء، وقبل أن أستطيع أخذ نفس قصير تكون الضربة الثانية والثالثة وغيرها قد اصطدمت بجسدي تعذبه لدرجة تفقده الإحساس والوعي أحياناً، ترافقها ألفاظ بذيئة وشتائم لم تترك لي لأمي أو لأخواتي عرضاً أو شرفاً...

وفي أحيان أخرى وبعد أن أهانوني بشكل لا يوصف، وحقَّروني، وعاملوني كأني حشرة لا يعبأ بموتها أحد، أرسلوا لي من يحدثني بهدوء واحترام، ليلعبوا بعقلي ومشاعري، فقد أخذ المحقق يوهمني بادعائه بأنه ليس كالمحققين الذين سبقوه، فهو يشفق لحالي، ويقدر ألمي ومشاعري، ويرفض لي هذا العذاب وتلك الإهانات... فهو هنا ليساعدني فقط لحرصه  الشديد عليَّ وعلى أن لا أتعرض للمزيد من التعذيب، ولأخرج بأقل الخسائر... حاول كثيراً اللعب بمشاعري عندما أخذ يذكرني بأمي التي تكاد تموت حزناً وكمداً عليَّ، ووالدي الضعيف الذي يحتاج وقوفي إلى جانبه وتلبية احتياجاته واحتياجات الأسرة... وزاد الطين بلة عندما أخذ يلعب على وتر بأن ما يحدث معي لا يرضه لابنه وأنا كأحد أبنائه...

ضغط عليَّ كثيراً لأعطيه المعلومات الخاصة بزميل وصديق لي في الجامعة، والتي لم يحضروني إلى هذا المكان إلا ليحصلوا عليها بأي الأساليب كانت، بالترغيب والترهيب والضرب والمكافئة... لا يهم الوسيلة التي تستخدم، المهم هو الحصول على المعلومة... هذه المعلومة التي لا تمسني أنا شخصياً وإنما تمس شخصاً آخر، فالمعلومة التي بحوزتي هي الحلقة المفقودة التي يبحثون عنها لتحكم السلسلة حلقاتها حول رقبة صديق الدراسة... فيتمكنوا من الإمساك به ليغدو لقمة سائغة في أفواه المحتلين...

منذ اللحظة الأولى للاعتقال تحديت نفسي بسؤالها، هل يا تُرى تكون رجلاً فتصبر وتتحمل الأذى وتصمد؟ تكون شجاعاً كما عهدك الجميع دائماً، فتغلق فاك ولا تثرثر بكلام مهما كان نوعه حتى لا تؤذي نفسك ولا تؤذي من نذر نفسه وروحه لله وفي سبيل الحفاظ على هذه الأرض والحفاظ على كرامة وعزة أهلها؟؟؟ أم ستكون ممن ينجو بنفسه ولتحترق الدنيا بعدي؟؟؟

عاهدت نفسي حينها على الصبر والثبات ، وطلبتهما من الله، وقلت لنفسي: أبداً لم تربني أمي على الجُبن والنذالة، ولن ترضه لي الآن، أنا مستعد لدفع روحي ثمناً للتغطية على مجاهد لم أشاركه يوماً في جهاده، ولكني سأشاركه اليوم في اقتسام أجر الجهاد بالتغطية عليه وتحمل كل شيء يبعد الأذى عنه...

د. زهرة خدرج


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق