الأربعاء، 26 أغسطس 2015

لماذا يُبتلى أهل الحق؟

لماذا يُبتلى أهل الحق؟
أَسمع على ألسنة المسلمين كثيراً هذه الأيام وخاصة مع كثرة الفتن والابتلاءات التي يتعرضون لها القول: ألسنا مسلمين وأهل حق؟ لماذا لا ينصرنا الله على الباطل وأهله؟ لماذا تغيرت الموازين وبات أهل الحق مستضعفين مهزومين لا يُخاف لهم جانب... تنتهك أعراضهم، وتسلب بلادهم، ولا تحترم لهم حُرمة؟ جميع الناس لهم حقوق تحفظ حتى الحيوانات... إلا نحن، دمنا حلال، وعرضنا رخيص، وبلادنا مستباحة. فما الذي يحدث؟ هل انقلبت المعايير؟ وهل تخلى الله عنا؟

أبداً إن المعايير وسنن الله ثابتة لا تتغير. كيف يمكن أن نَصِفَ أهل الحق بأنهم أهل حق وبأنهم يستحقون هذا المسمى بجدارة، دون أن يُفتَنوا ويبتلوا فيصبروا ويصمدوا ويبقوا على الحق ويثبتوا في طريقه؟ المشكلة أن الكلام سهلٌ جداً ولكن التنفيذ والثبات يكون صعباً جداً، ألم يقل رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم:« حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ» فهل يمكن لمن يقول أنه من أهل الحق أن يحوز الجنة بثمن رخيص ودون أن يدفع ضريبتها الغالية؟ فكيف ستحصل عليها من دون ابتلاءات وفتن وأذى يلحقها صبر وتحمل وثبات؟ وكيف للنصر أن يأتي دون أن يُعَبِّد الصبر والثبات له الطريق؟ ألم يقل الله عز وجل في سورة البقرة: ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴾ وراجعوا التاريخ... هل مر زمان على البشرية ظل  فيه الحق مرتاحاً يتعبد في صومعته دون أن يتعرض للابتلاء والتمحيص؟

وما دام طريق الحق هو طريق الابتلاء والمحن والصبر... فما يحدث لنا اليوم ما هو إلا جزء من السلسلة الممتدة من عمر الإنسان على هذه الأرض، أليس طريق الحق هو الطريق الذي تعب فيه آدم بعد أن غادر الجنة, وهو الطريق الذي لأجله؛ أوذي نوح ولوط, وأُلقي بإبراهيم الخليل في النار, ووضع يوسف في غيابة الجب، وعانى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الفقر والجوع والحصار والمقاطعة وأذوي في عرضه... ألم يقل الله تعالى: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ [سورة العنكبوت2- 3]، فما يحدث لنا هذه الأيام طبيعي جداً أن يحدث، ليتبين الغث من السمين، وحاشى لله أن يكون قد تخلى عن عباده الصالحين.

والسؤال الذي يجب أن يسأله كلٌ منا لنفسه: هل نستحق الآن النصر حتى ينصرنا الله؟ أنا أشك في ذلك! فلنراجع حساباتنا، ماذا فعلنا ونفعل لنستحق النصر؟ ألم تستحوذ الدنيا ومتاعها الزائل على عقولنا وقلوبنا، ولنتذكر ولنتعظ من المحن التي تعرض لها المسلمين في تاريخهم. عندما تعرضت الدولة الإسلامية للغزو المغولي في عهد الدولة العباسية سنة 656هـ ، اجتاح التتار بلاد المسلمين بأسرها ولم تبق الاّ القلّة القليلة لم تقع تحت احتلالهم، فطغوا وأمعنوا في القتل والنهب والإحراق بهمجية غير معهودة، وقد رويَ أنّ بنت هولاكو كانت تمشي في شوارع بغداد، فرأت جمهرة من النّاس يلتفّون حول رجل، فقالت لمن معها:" من هذا الرّجل الذّي يلتفّ النّاس حوله؟ "فقيل لها:" هو عالم من علماء المسلمين". فطلبت ممن معها أن يأتي به مكبل اليدين والقدمين، وجيء به على هذه الهيئة التي طلبتها، ووضع أمامها، فقالت له:" ألم نهزمكم؟"، قال:" بلى "، قالت:" ألم ننتصر عليكم؟" قال:" بلى"، قالت :" إذن، فنحن أحبّ إلى الله منكم!" ، فقال لها :" لا "، فقالت :" ولماذا تقول ذلك " قال لها :" لا أقول لك حتّى تفكّي قيدي وتنزليني من مكاني وتضعيني في مكان أستحقّه وتعطيني الأمان على كلامي الذي سأقول"، ففعلت فقال لها:" ماذا يكون مع الرّاعي حين يقود قطيعا؟"، قالت: يكون معه كلاب". قال لها:" ماذا يفعل الراعي عندما يشرد القطيع من عنده" قالت:" يرسل خلفها الكلاب"، قال لها:" إلى متى؟"، قالت:" حتى ترجع الكلاب بالقطيع إليه"، فقال لها:" أنتم كلاب الله ، أرسلكم الله علينا لأننا شردنا عن دينه، فستبقون مسلطين علينا حتى نرجع إلى ديننا!".


د. زهرة خدرج

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق