الجمعة، 16 سبتمبر 2016

الضياع ومشاعر أخرى

نتيجة بحث الصور عن ضياع الامل

الضياع ومشاعر أخرى

حضر آب يزيدها ألماً إلى ألمها، طويلاً مملاً شديد الحرارة كعاديه، جاء يصب جام غضبه وقسوته على الأرض وساكنيها بحمم كحمم بركان ساكن ثار على حين غرة فأصاب المحيطين به بالارتباك الشديد فأخذوا يدورون حول أنفسهم بعشوائية لا تستقر على حال.
حرك آب داخلها شعوراً كامناً بالفراغ، بالضياع، بفقدان الأمل... تجهد نفسها وفكرها لتفعل شيئاً، لتكمل طريقاً خطته لنفسها وبدأت تسير فيه، ولكنها توقفت فجأة، هكذا دون مقدمات... وجدت نفسها وكأنها فقدت ما لديها من طاقة تحركها وتدفعها للاستمرار... حاولت البحث عن السبب، ولكنها بدت كمن يجري وراء سراب.
رغم ذلك الارتباك وجدت أن المشاعر الراقية لا زالت تتدفق في نفسها، إلا أنها عجزت هذه المرة أن تكون كسابق عهدها، فتلهمها وتمدها بإبداعات جديدة لتكمل المسير... قسوة السؤال عن السبب تفرض نفسها عليها... فتقع في الحيرة ذاتها التي تتركها ضحية للأوهام. أهي العودة إلى نقطة الصفر؟ أم هي بداية لمرحلة جديدة من الضياع والفوضى؟ هي لا تعلم تماماً... ما تعلمه فقط هو أنها لا تستطيع البقاء متجمدة في ذات المحطة...
من وسط الأمواج المتلاطمة تمتد يده إليها بقوة وثبات، تساعدها... تنقذها من حيرتها وضياعها، كعادته عندما تقع في مأزق... يتقدم نحوها بخطوات شجاعة جريئة... حتى في كوابيسها الليلة يسرع لينقذها، فيقتل الأفاعي التي تحاول الالتفاف حول عنقها محاوِلة خنقها، وينقذها من أن تهوي من مكان مرتفع...
في ذات يوم قررت الثورة على كل شيء، فأعلنت تمردها عليه، وعلى نفسها، وعلى الظروف التي أحكمت قبضتها عليها، لاذت بصمت مقيت وعزلت نفسها في مكانها الخاص بين أوراقها... وحيدة تقلب الكلمات وتتذوقها...
تقبَّل تمردها لم يعترض ولم يغضب، بل عزى ما تمر به إلى التغيرات النفسية والجسدية التي تمر بها، واستمر في الوقت ذاته يدعمها، يشجعها، وينتظر نجاحها وتقدمها للأمام... لم تعد تجد للكلمات طعماً ولا للحياة لوناً... اصطبغت الحياة كلها بلون واحد... رمادي قاتم كلون السماء في يوم شتائي باكٍ اختفت شمسه وتلاشى كل أمل لها بالظهور...
انطلقت تثرثر بقلمها بكلام مبعثر لا معنى له، وتسر أوراقها بكلام خرج متمرداً كما الروح التي تحتجزها داخل هذا الجسد البائس، فإذا به يخط رسالة نطق فيها بكلام لطالما عجز لسانها عن البوح به... فقال ما لم يقله لسانها:
"اعذرني، فأنا لا أستطيع أن أكون امرأة عادية... تأبى عليَّ نفسي إلا الاختلاف... لا أستطيع أن أكون مجرد امرأة تنظف البيت وتطهو لطعام وتنجب الأطفال وتربيهم... أنا لا أقلل من قيمة ذلك، فتلك رسالة عظيمة لي كأم، ولكن نفسي تطلب مني المزيد لتشعر بالرضى، هي تأبى عليَّ إلا التميز والعلو... والمشاركة في صناعة مستقبل هذه الأمة... لا أستطيع أن اقف متفرجة على الأحداث التي تجري أمامي، بل أصبو دائماً إلى أن أكون فاعلة فيها أساهم في صياغتها وتشكيلها... ورسم الأمل في العيون والبسمة على الشفاه...
أحب الأرض التي على ثراها أبصرت نور الحياة ومشيت أولى خطواتي... أحبها كما أنت... فحبي لك لا يفترق عن حبي لهذه الأرض، التي أجدها تسكنني أكثر مما أسكنها... على الرغم من أنني لم أجد فيها إلا الصعوبات والتحديات والأبواب الموصدة والألم... إلا أنني أحبها، وتبقى الأعز على قلبي... ولهذا أيضاً أجدني أحبك...
ما يربطني بك ليس فقط علاقة زواج شرعية تربط بين رجل وامرأة... بل أكثر من ذلك بكثير، يربطني بك الصداقة، والتفاهم، والود، ووحدة المبادئ والتفكير... والتمرد على ما يُذِل الإنسان ويهين كرامته... ويربطني بك الاجتماع على طاعة الله والعمل لمرضاته والبعد عن معصيته... إذن فالروابط التي تجمع بيننا لا يمكن حصرها، ولهذا أتوقع منك أن تتفهم مشاعري وأحلامي التي تصل الثريا، وتعينني على الوصول لها، كما تفعل دائماً.
أنت تعلم تماماً أنني لا أغبط أحداً على طعام أو لباس أو مسكن... وإنما أغبطهم على علم اكتسبوه ونجاح وتميز حققوه... أحسدهم على حرية يتمتعون بها وكرامة وعز يصبغ حياتهم... لا أريد ماديات تافهة تجعلني رهناً للحاضر، كما لا أطلب جواهر وحلي وماديات تتملكني كما يتملك السيد إمائه... أريد أشياء كبيرة، وربما خطرة... من تلك التي يحتكرها الجنس الآخر لنفسه... ويستبعدون مشاركة الأنثى فيها... أريد مشاركتهم في استعادة المسلوب من الحقوق والحريات والأرض، وأريد أن أكون عوناً للسواعد القوية الطاهرة التي تقف تدافع عن الفجر الوليد يشق صدر الظلام ويعد بنور نقي حر... أريد الحرية لأرضي، والكرامة لشعبي، والتقدم والارتقاء لأمتي...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق