الجمعة، 9 سبتمبر 2016

ضجيجٌ داخليٌّ أو "ثورة الكلمات"

نتيجة بحث الصور عن ‪;jhfm ,auv‬‏

ضجيجٌ داخليٌّ أو "ثورة الكلمات"

كتبت حروفها وكلماتي دائماً لنفسها... قبل أن تكتبها لأحد يقرأها... كانت ترى الكتابة جزء منها، يصعب اقتطاعه... فكتابتها هذه هي السمة الظاهرة والضرورية للمرض الذي حل بها... مرض صَعُب الشفاء... مرض يجعل الفرد يكتب الكلمات الثائرة... فتخرج كلماته صارخة متمردة، تطلق صرخاتها في الأفق، دون أن يعبأ صاحبها بمن يسمعها أو يدري تفاصيلها، يطلقها مدوية رافضة للذل... رافضة للخنوع... تعبر عن نفس ربما تكون حائرة، بل طموحة تحلم بغد أفضل... كانت الكتابة حاجة أساسية لديها فلم تستطيع العيش من دونها، هي كالهواء والماء والغذاء، وطالما سألت نفسها: كيف يستطيع العيش من لا يُسِرُّ مشاعره وفكره وكل ما يؤرقه للورق؟
هذه بعض تفاصيل الحكاية التي سأرويها لكم... وقبل أن أبدأ، كان يا ما كان حيث يتكرر الزمان والمكان...
عندما بدأت تنضج، أرَّقها أنها تعيش حياة خاوية... يملأُها الفراغ والحيرة، في البداية لم تكن تعلم ماذا تريد بالضبط، فقط تشعر بأنها مختلفة عن باقي من يحيطون بها، لا تتوافق معهم في الكثير من الأفكار والاعتقادات التي يطرحونها وخاصة تلك التي تعتبرها استسلامية، كتلك التي كانوا يطلبون منها أن تتبناها لنفسها، فترضى بمقتضاها بالأمر الواقع وتصبح كأية فتاة أخرى عادية، ألستِ كباقي البنات؟ لماذا تقضين جل وقتك بين الكتب؟ لماذا لا تجاملين الناس وتخرجين إلى المناسبات الاجتماعية فتشاركيهم فرحتهم؟ لماذا لا تصبغين وجهك وشعرك وتتطيبين وتتجملين عند خروجك مثل باقي الفتيات في مثل عمرك؟ ما تعلمه فقط أن هناك طاقة ضخمة تحتجزها داخلها، تكبتها، تضغطها... تجعلها تتمرد وتثور وترفض كل ما اختاره الناس لأنفسهم بغض النظر عن أهميته ومدى صحة اختياره ومدى تأثيره على مستقبلهم، فهم قد حددوا اختيارهم فقط لمجرد أنه مألوف لديهم... ولأن الآخرين يفعلونه ويرونه مناسباً... فقط هو مجرد تقليد للآخرين يقوم به الواحدة منهم، ويلغي نفسه وتفكيره في سبيله.  
لم تبق في محطة الشعور بالخواء والحيرة... فمع مضي الوقت بدأت تحلم بنفسها مهندسة، ترسم التصاميم الهندسية الخلابة على الورق، تصاميم تأتي من عالم الخيال، تجعل الإنسان يغيب عن البعد المكاني الحقيقي إلى بعدٍ آخر وكأنه في عالم آخر... اجتازت الثانوية العامة بتفوق... وهنا بدأت الكوارث تنزل بها... رفض والدها خروجها للجامعة، فالبنات عنده للمطبخ وليس للعلم، وقام بتزويجها من ابن عمتها... دون أن يشاورها في الأمر، ولم يعطها فرصة الرفض أو حتى القبول... وبعد شهر أصبحت امرأة في بيت زوجها... اصطحبت أوراقها وكتاباتها معها كما اصطحبت آمالها وآلامها... أشفقت على زوجها وعلى نفسها أيضاً، فهي لا تريد الزواج، تريد أن تكون نفسها وحلمها الذي تحبه... مهندسة مميزة، رغم أن زوجها وكل المجتمع من ورائه يريدونها زوجة وأماً وكنة ناجحة ومميزة.
زوجها إنسان بسيط طيب كريم النفس، وأحلامه أيضاً بسيطة مثله فهي لا تتعدى بيت وسيارة وزوجة جميلة تتمايل إلى جانبه بكامل زينتها... أحبت زوجها وبيتها بكامل قوتها، وعاملته كما لو أنه أحد أبنائها الذين تقوم بتربيتهم وبناء المبادئ داخلهم، واستمرت في أحلامها وطموحاتها... تخرجت من الجامعة بتفوق، واتجهت لإثبات الذات في سوق العمل... واستمرت تكتب، وتسِّر مشاعرها وأفكارها للورق، ولكن بفارق كبير عما كانت عليه سابقاً... لم تكن تكتب ليقرأ أحد كلماتها... ولكن الآن أصبحت الكلمات تمر على شريكها في الحياة وفي النجاح قبل أن تخرج للعلن... عمت كتاباتها حتى أصبح يُشار إليها بالبنان... 

تحولت آلامها القديمة إلى تحديات دفعتها لتتقدم وتتفوق وتتحدى الصعاب، وصبغت الآمال أيامها بصبغة جميلة رائعة جذبتها لتقديم المزيد من العطاء، وبذل المزيد من الجهد لتصبح الأحلام واقعاً تعيشه ومثالاً حياً لصناعة النجاح.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق