الأحد، 25 سبتمبر 2016

أتذكرك يا أمي

 نتيجة بحث الصور عن حضن أمي



أتذكرك يا أمي

يتذكر الناس أمهاتهم ربما في المناسبات أو في يوم الأم، ولكني أتذكر أمي طوال الوقت، فأدعو لها بالرحمة والمغفرة والقبول، وأطلب من الله أن يجعل لها نصيباً من كل أجر يكتب لي، براً بها ووفاءً لها على ما قدمته لي وفعلته لأجلي… أمي امرأة بسيطة، غير متعلمة، قاست حرمان اليتم ومرارة اللجوء والتشرد في النكسة، وتزوجت صغيرة ليزيح أهلها عن أنفسهم مسؤولية إحدى الفتيات، لتقع تحت طائلة مسؤوليات الزواج والإنجاب… لتكون حياتها من أولها لآخرها عبارة عن عبء ثقيل تحمله على كاهلها طوال الوقت ولا ترتاح منه حتى يختارها الله إلى جواره…

وما مرض القلب والتهاب المفاصل الروماتيزمي وتآكل الغضروف في أسفل الظهر وسرطان الثدي إلا جزء آخر من تلك الأعباء الثقيلة التي أثقلت كاهلها وأقضت مضاجعها ، و التي صبرت عليها وتحملت آلامها واحتسبت أجرها عند الله…

أفخر بها أنها كانت حافظة للقرآن، تجاهد نفسها جهاداً لئلا ينتهي بها الأجل قبل أن تتم حفظه، ولا أستطيع أن أنسى كيف كانت تراجع السور الكبيرة من القرآن أثناء إفاقتها من غيبوبتها و هي على فراش الموت، وكيف كان أداء الصلاة يشغلها حتى وهي تغيب عن الوعي ساعات وتفيق دقائق، حيث تبقى تسأل إن كان قد دخل وقت الصلاة أم ليس بعد، رغم أنها تعود لغيبوبتها قبل أن تتم صلاتها…

ربما لا يعرف الواحد منا مدى قيمة أمه إلا بعد أن يفقدها للأبد، وليس الأم فقط، وإنما كل شيء، فالواحد منا يعتاد على وجود الأشخاص والأشياء من حوله، فتفقد بريقها ورونقها بسبب الاعتياد، ولكن عندما تغيب عنه لفترة طويلة، أو يفقدها تماماً يدرك كم كانت مهمة له و كم يعاني بسبب فقدانهم

صحيح أننا نحب أمهاتنا، ولكننا نحبهن أكثر عندما نفتقد وجودهن…

قبل عدة أيام اشتد بي المرض، و ارتفعت حرارتي، ولم يكن شيئاً يضغط على تفكيري في ذلك الوقت بقدر افتقادي لأمي، وسؤالها عني.. ليس هذا عودة إلى مرحلة الطفولة، ولكنها النفس البشرية التي تبحث دائماً عن من يهتم بها ويشعر بمشاعرها ويقدر آلامها ويعطف عليها… لا لشيء أو لحاجة، وإنما لأن ذلك من طبعه هو ،  وليس هناك من أحد يجمع هذه الصفات مثل أمي وأمك وأمها وأمه… فكن على ثقة تامة أنه لا يوجد شخص يحبك مهما كنت و أينما وصلت ومهما فعلت مثل أمك… هي تحبك لأنك أنت، وليس لأي سبب آخر، بل أنت الأحب لها والأفضل في نظرها… وفي كل حالاتك وأحوالك وظروفك هي تحبك: نجحت أم فشلت، معافى أم مريض، لديك إعاقة جسدية أم عقلية، جميل أنت أم قبيح، قريب أنت منها أم بعيد عنها… كل هذه المتناقضات لا اعتبار لها عندها، ولا تنظر إليها ولا تلقي لها بالاً… لأن قلبها متعلق بك… حتى إن أغضبتها وأسأت إليها ونطق لسانها بكلمات سيئة في حقك أو دعا عليك ،فإن قلبها يكاد يقفز من صدرها رعباً عليك خوفاً من أن يمسك أذى بسبب دعائها، ولسان حالها يقول: ربي لا تجب دعائي عليه… بل اجعله أفضل الناس ووفقه لكل خير وكن معه واحفظه لي…

أمي توفيت بسرطان الثدي بعد معاناة وصراع طويل مع المرض، إلا أنه انتصر عليها في النهاية، لأنها إرادة الله وقدره الذي لا نعترض عليه ، و لكني الآن أندم على كل لحظة كنت أستطيع أن أكون بقربها ولم أفعل، وعلى كل خير كنت أستطيع أن أبرها به ولم أفعل، وعلى كل كلمة طيبة كنت أستطيع قولها لها ولم أفعل… وهذا حالنا أهل الدنيا… تأخذنا الدنيا في خضمها المتلاطم، فننشغل عن أداء أشياء جميلة وأخرى نحبها ، ولا ننتبه لأنفسنا إلا بعد فوات الأوان ، فنندم حينها

من فعل خير يندم لأنه لم يستزد، و من لم يفعله يندم لتركه له… لهذا تذكر أن دنيا دار خسارة وندم على كل الأحوال…

وحتى تتدارك نفسك قبل فوات الأوان اتصل بأمك، اذهب إليها، أسمعها الكلام الطيب الذي يسر نفسها، قبِّل يدها كلما ذهبت إليها أو خرجت من عندها… استثمر كل لحظة لوجودها على هذه الأرض…وإن كنت مثلي قد فقدت أمك… وآواها الثرى… فتذكرها دائماً بالدعاء… تصدق عنها ولو بلقمة خبز لطفل أو طائر، وكن ذا خلق ودين حتى ينالها أجر تربيتها لك وهي في قبرها…

“وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا”.

#الدكتورة_زهرة_خدرج

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق