الأحد، 11 سبتمبر 2016

كيف نتخلى عن أحلامنا

نتيجة بحث الصور عن ضياع الاحلام

كيف نتخلى عن أحلامنا؟
"في طفولتي كانت أحلامي كبيرة وبريئة... أحلام لا تساورها شكوك، أو تردد... أحلام سمتها الثقة المطلقة بأنها ستغدو في يوم ما واقعاً ملموساً أعيشه بكل دقائق تفاصيله... أبداً لم أنظر إلى الأشواك التي تفترش الطريق ولا الصخور التي تسد المنفذ الوحيد المفضي لتلك الأحلام... أبداً... بل كنت أمضي بخيالي إلى أبعد ما يكون... وماذا يكون أبعد من الفضاء... كنت أتصور نفسي أسير على القمر ببذلة فضائية منفوخة... لم أفكر بغير الشعور الجميل الذي يسيطر علي وأنا أرى عزيزتي الأرض زرقاء تتلألأ أمام ناظري تسبح في الفضاء... وأجري أبحاثي على تربة القمر وغلافه الجوي قبل أن أعود للمركبة التي تقلني مرة أخرى لكوكبي الحبيب... وأتخيل نفسي وأنا أقف على المنصة أمامي أناس كثر... ألقي المحاضرات وأتحدث فيما أعلمه من نظريات وآراء وعلوم وهم يصغون السمع لما أقول... لم يكن لدي أدني استعداد للاستماع لمن يسخر مني من زميلاتي ومعلماتي وأقاربي ويستهزئ... لم أكن أُلقي بالاً لابتسامتهم الماكرة الساخرة المشككة في أحلامي، واستفساراتهم حول حلمي التي يخفون ورائها تكذيباً واستهجاناً لما أؤمن به... لم تكن محاولاتهم بإقناعي "بعدم جدوى حلمي واستحالة تحقيقه" تجدي معي نفعاً... فذلك الحلم كان جزء مني، فهل تستطيع اقتطاع جزء منك؟؟".
اسمها مثل أحلامها "سراب" صديقتي... التي كانت هي الطبية في لعبنا، وكانت تردد بيننا دائماً: سأصبح طبيبة ماهرة... سيأتي الناس من كل الدنيا للعلاج عندي... سأهب كل وقتي لإسكات آلام الموجوعين، وتطبيب أوجاعهم وأمراضهم المستعصية... لم يكن في حسابها عقبات ولا في قاموسها معيقات... وفعلاً تفوقت في الثانوية العامة، وبدأت مسيرة طبيبة الطفولة والأحلام وعلاج الأمراض المستعصية... إلى أن كانت الصدمة الكبرى لي عندما عرفت أن أحلامها غدت سراباً بعد أن غادرت الأحلام والدراسة واختارت أن تمضي حياتها إلى جانب شخص ثري امتلك قلبها وتهاجر معه بعد الزواج إلى بلاد العسل...
كثيرون أمثالي وأمثال سراب... يحلمون في طفولتهم بل ويبتعدون أكثر من ذلك في أحلامهم... فتراهم يركبون الخيل بمهارة، ويغوصون في أعماق البحار ويستخرجون كنوزه ويستطلعون أسراره، ويتسلقون قمم الجبال كما يسافرون في الفضاء ويعبرون الزمن ويقاتلون الوحوش الضارية ويحلمون بأن يصبحوا أطباء مهرة وحقوقيون مدافعون عن المظلومين وقضاة عادلون، وأبطال خارقون، ومهندسون ماهرون، ومديرون مبدعون، ووزراء، ورؤساء دول، ورواد فضاء، وآباء وأمهات مميزون...
وترانا في صغرنا نلعب مع إخواننا وأصحابنا ذات اللعبة، وكم نتفنن في الأداء!، ونعيش دقائق الأحداث التفاصيل، فيبدو الواحد منا متقناً للدور مؤمناً بما يتخيل... ما يميز أحلامنا ويميزنا في تلك الأوقات، أننا نصدقها، بل نؤمن بها، وأبداً لا يوجد لدينا أي استعداد لأن نصدق أنها محض أحلام طفولية...
ولكن... ما إن نكبر في الحجم والقدرات والخبرات تأخذ أحلامنا بالتضاؤل والتلاشي شيئاً فشيئاً حتى تختفي من خيالنا وأولويات حياتنا لتغدو سراباً جميلاً لذيذ الذكرى لا أثر له على أرض الواقع... نتندر في الحديث عنه عندما تسرد حكاية نجاح شخص عرفناه في إحدى محطات حياتنا استطاع الوصول لأحلامه وتحقيق طموحاته... وترانا نتذرع بالحجج والأعذار التي حالت دون وصولنا لأحلامنا مثله، وأفقدتنا الأمل والتفاؤل في تحقيقها... ولكن: ما الذي يحدث معنا حتى نتخلى عن أحلامنا؟ لماذا نتنازل عن ما كنا نراه في أيامنا الماضية شيئاً أكيداً نحن ماضون لتحقيقه؟.
ما يحدث حقيقةً أنه؛ عند وصولنا لمساحة تحقق لنا بعض الاستقرار المادي والمعنوي والاجتماعي وبعض الأمن الذي يرافقهما... ترانا نلتصق بها ونخلد للراحة والسكينة في تلك المساحة... فيصبح من الصعب علينا أن نتخلى عن الراحة والأمان الذي حصلنا عليه، لهذا نتخلى أيضاً عن أحلامنا التي كانت تراودنا بأن نصبح متفوقين ومتقدمين وقادة... وهذا يبرر لنا، لماذا يتوقف الكثيرون عند أول محطة نجاح يصلون إليها في حياتهم ولا يتابعون النجاحات والإبداعات على الرغم من العقلية الفذة والقدرات العظيمة التي يمتلكونها... فهم يخافون على أنفسهم ونجاحاتهم من المجازفات التي قد يتعرضون لها إن هم استمروا في المضي قدماً إلى الأمام، فتحدثهم أنفسهم أنهم ربما يخسرون ما حققوه في أحد المحطات القادمة... فتراهم يتجمدون في مكانهم ليحفظوا لأنفسهم مكاناً بين الناجحين.
إن رضيت لنفسك الخلود إلى السكينة والراحة، ولم تتابع ما بدأت من نجاح، فاعلم أنك قد وصلت إلى مرحلة بدء الفقدان... فقدان ما حققت من نجاح... فالشعلة إن لم تمدها بوقود يحافظ عليها مشتعلة... فستنطفئ بعد مضي بعض الوقت عليها، عندما ينفذ الوقود من حولها... فنجاحاتنا بحاجة لأن نمدها بالوقود حتى نحتفظ بها... ووقودها هو الإبداع والطاقة التي لا بد وأن نستمر في بذلها في سبيل الحفاظ على نجاحنا الذي حققناه.
صحيح أن التغيير والتجديد والمجازفات تشعرنا بالخوف، ولكن أليس الخوف لبعض الوقت أفضل من الاختباء في الظل لفترات طويلة من الحياة؟ فإذا كنت تريد أن تتميز أو تقود أو أن يُحفظ ذكرك... فلا تقف مكانك مهما بلغت من العلى... فالعلى بحاجة لأن تستمر في المثابرة وبذل المزيد من الجهد حتى تحتفظ به...

فما كان من جهدك أنت لا ترضى بما وصلت له، بل تابع ما دمت حياً... وما كان من الله، فارض بما قسم لك... تكن أسعد الناس، وتترك خلفك بصمة يذكرك الناس بها بعد أن تمر من هذه الدنيا... إلا أننا يجب أن لا ننسى أيضاً أن القدر ينحاز للمثابرين الجادين... فيعطيهم ما يريدون... لهذا لا يجب أن نتعلل بالأقدار لأننا تخلينا عن أحلامنا...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق