الخميس، 22 سبتمبر 2016

هموم امرأة متمردة

نتيجة بحث الصور عن ظلال امرأة
هموم امرأة متمردة
سنوات طويلة مرت عليها استطاعت خلالها أن تطوع تلك المرأة المتمردة داخلها وتكبتها... فلا تعود للظهور... غيبتها في سجون نفسها العميقة... البعيدة كل البعد عن الضوء... استطاعت في السنوات الأخيرة أن تقبل بالأمر الواقع، وترضخ لكل ما يجري حولها دون اعتراض، ودون تمرد، أصبحت تتصرف كامرأة ناضجة كزوجة جيدة وأم حنون وتحصر نفسها في هاتين الوظيفتين وتقنع نفسها أنها خلقت لتلك الوظائف فقط، وتترك الوظائف الأخرى التي تحدثها بها تلك المتمردة داخلها لغيرها من الناس... تتماشى مع الواقع وتعيش معه جنباً إلى جنب... مهما حدث تتعامل معه بالقبول... ومهما قدم لها الآخرون من أشياء بسيطة قبلتها بفرح شديد وكأنهم أهدوها شيئاً عظيماً... أبسط الكلمات تعتبرها إطراءً ضخماً...
أما الآن وبعد مرور أوقاتاً طويلة... لا تدري ما الذي أعاد تلك المتمردة للظهور مرة أخرى داخلها، ما الذي أيقظها؟... تفرض تمردها بقوة عليها... بعد أن اعتقدت أنها استطاعت كبح جماحها وتقييدها ثم مسحها من خلايا ذاكرتها...
ربما لأنها تكره المألوف... كرهت كونها انثى منذ صغرها، وكرهت كل ما يربطها بهذه الحقيقة... لأنها تكره أن تكون ظلاً أو نكرة، تريد دائماً أن تكون في الصدارة وتظهر بقوة أمام سمع الجميع وبصرهم... ليس حباً في الظهور أو الشهرة؛ وإنما جزءاً من رغبتها الجامحة في التأثير في الآخرين لتترك بصمتها في النفوس... عساه في يوم قادم يأتي التغيير فيتغير الأفراد ويتغير المجتمع وتتغير الأمة... فتستعيد مكانتها الرفيعة بين الأمم. ربما هذه الأسباب هي ما أيقظت تلك المتمردة مرة أخرى.
حزينة وحساسة جداً هي دائماً... تفكر بالأشياء بطريقة أخرى مختلفة ليست كتلك التي تفكر فيها معظم النساء... ما يؤرقها دائماً أنها لا تقبل لنفسها أن تمر من هذه الحياة هكذا... مر الكرام... بل لا بد وأن تترك فيها أثرها بقوة... تقلقها بشدة هموم أمتها وآلامها... يؤلمها ويبكيها ويحزنها دائماً حالهم، من استباحة لدمائهم وديارهم وأعراضهم وبؤسهم وفقرهم وتضيف أيضاً لتلك الهموم المرض والجهل والحصار... تشعر بالمسؤولية تجاه كل ما يجري... أبداً لا ترضى لنفسها بأن تقول: وما دخلي أنا؟ بل تفكر طوال الوقت بما تستطيع أن تفعله لتساهم في تخفيف تلك الآلام والمعاناة...
يقولون لها: "أأنت من سيقيم الدين في مالطة؟" و "رب العباد أخبر بالعباد"... ولكن نفسها تأبى عليها ذلك... ترفض أن تكون سلبية، أو متفرجة على ما يجري من أحداث... بل لديها قناعات راسخة بأنها يجب أن تشارك في صنع الأحداث... فلماذا لا تكون الشرارة التي تنطلق فتشعل ناراً تحرق الظلمة والطغاة؟  
تسر همومها للورق... فينزف حبرها أنهاراً من الكلمات التي تنفجر من داخلها صارخة رافضة للذل والاستعباد... مطالبة بالحرية والعزة والكرامة... هي لا تريد ماديات تافهة تجعلها رهناً للحاضر، لا تريد جواهر وحلي وملابس مزركشة، ماديات تتملكها كما يتملك السيد إمائه... هي تريد أشياء كبيرة، وربما خطرة... من تلك التي يحتكرها الجنس الآخر لنفسه... ويستبعدون مشاركة الأنثى فيها... تريد مشاركتهم في استعادة المسلوب من الحقوق والحريات... والعزة والكرامة...
تنظر في الأفق المتوهج بلون وردي قبل مغيب الشمس فترى يوماً يترنح ذابلاً يقاوم النهاية التي ستطوي صفحته ليذهب إلى غير رجعة بكل ما يحمله من آلام وآمال وذكريات موجعة... ليتبعه ليلٍ شديد الظلمة... لا تحزن لكل ذلك... فهي ترى فيه اقتراب لفجر يأتي بعد مخاض عسير... يحمل في طياته نور وليد نقي طاهر... وربما يحمل في ثناياه ما تبحث عنه أيضاً...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق